[pj-news-ticker]
ÇáÕÝÍÉ ÇáÑÆíÓíÉ
ãáÝÇÊ ÝÓÇÏ
ÍæÇÏË æÞÖÇíÇ
ÇáÏíä ÇáäÕíÍÉ
ÓæÞ ÇáÞÑÇÁ
Ýä æäÌæã
ÑíÇÖÉ
ÇÏÈ æËÞÇÝÉ
ÇáãÑÇå æÇáãÌÊãÚ
ÎÏãÇÊ ÞÇäæäíÉ
ÇÈäì äÝÓß
EGYPT WEATHER

«صحافة إيه اللى أنت عايز تشتغل فيها.. لا أنت حمل مصر ومشاوير السفر كل يوم، قدمت لك فى كلية داخل طنطا، تنهى تعليمك الجامعى وتنضم للعمل معى فى الدكان».
– لا يا عم الحاج أنا حابب الصحافة وعايز أشتغل فيها.
– طالما اخترت الصحافة واخترت تبقى جورنالجى يبقى لازم تتحمل تبعات قرارك، وتشيل مسئولية نفسك.
كانت كلمة أبى ثقيلة على لساني، كنت أناديه بلقب «الحاج» مثلما كان يناديه إخوتى الأكبر، وربما كانت هناك هالة من الوقار قد اكتسى بها والدى فمنعت لسانى من أن يردد كلمة أبى، فباتت الكلمة غريبة على لسانى وغير مدرجة داخل قاموسى الأسرى إلى وقتنا هذا .
تخرج الفتى في الجامعة، وهذا الفتى هو أنا، بما أحمله إليك عزيزى القاريء من هم أستسمحك عذرا أن تستطيع معى صبرا كى أكمل لك ما أود قوله،  ولعلنى أستحضر هنا بيتا شعريا محببا لقلبى ربما أقدمه لك أيها القاريء الكريم مفتتحا لفهم أو تعليل لما أنتوى قوله.. أبيات لشاعر متألم بمثل ألمى صلاح عبد الصبور رحمه الله  :« معذرة يا صُحبتى ..لم تثمر الأشجار هذا العام …و لست باخلا, و إنما فقيرةٌ خزائنى، مقفرةٌ حقول حنطتى ..معذرة يا صُحبتي, فالضوء خافت شحيح ..والشمعة الوحيدة التى وجدتها بجيب معطفى ..أشعلتها لكم».
تخرجت في الجامعة عازما على امتطاء حلم رغبتى فى اللحاق ببلاط صاحبة الجلالة، وكان قربان التضحية هو الابتعاد عن جنة أبى، والقرار كان لى، وقد قررت، ربما أرانى الآن متصفا بأنانية الطبع، تخرجت وكتبت وناوشت، ومع كل موضوع يتم نشره كنت أقتنى الجريدة متوجهًا لأبى الذى فاجأنى بانطباعه الأول فور رؤيته لأول خبر صحفى صغير حررته ونزل فى ذيل صفحة جريدة إقليمية ربما لا يتجاوز قراؤها عدد أصابع اليد، غير أن الحاج محمد المنشاوى فاجأنى برد فعله، فتح درج المال، ثم أخرج ورقتين فئة كل ورقة عشرة جنيهات ودسها فى يدى مبتهجًا، وهو أمر قد سرنى وأدهشنى فى الوقت نفسه لهذا الرجل الذى خيرنى بين «أكل عيشنا ومهنة الجرنالجى ».
ومع كل محطة زمنية من محطات عمرى التى مررت بها، كانت ثمة إرادة من نوع مختلف تجعلنى ألهث وراء ذلك الحلم محققا غايتى منه،  وفى كل محطة كان ثمة خلاف بين الجورنالجى الذى هو أنا والحاج محمد المنشاوى والدى رحمه الله، بدأ الخلاف بصورة الرئيس الراحل أنور السادات، كان أبى رحمه الله يعشق السادات، يراه هو الرجل الذى جاء هدية من السماء لمصر،  متعته تتلخص فى أن أقرأ له مقتطفات من كتاب «البحث عن الذات » الذى يحمل صورة السادات بعنفوانه وبيده البايب الشهير،  كنت أقرأ وأنا على غير قناعة بأن الرجل تملك ناصية البيان فكتب بمثل هذا المضمون السردى المنمق، وكان الحاج محمد يلحظ استهجانى فيتجاهله تارة وربما كنت أنا أزيد من ذلك الاستهجان فيطلب منى أن أغلق صفحات الكتاب ثم يحمل الكتاب بين يديه كأنما يحمل قطعة أثرية من الخزف مخافة أن تقع فى الأرض، ويضعه إلى جوار رف داخل فاترينة البضاعة التى تجاوره، فى هذه الفترة كانت بينى وبين صورة السادات التى كانت تلاحقنى فى بيتنا خصومة، كنت أراه هو من سمح بأن نتصالح مع الأعداء، وكنت لا أحب السادات ولا أقبل فكره،  متعتى كانت فى الاستماع للشيخ إمام وأبيات أحمد فؤاد نجم،  ثم قررت فجأة أن أزيل صورة السادات من صالة بيتنا، ولحظى التعس أن أبى الحاج محمد كان على موعد أن يأتى لبيتنا فى هذا اليوم واكتشف غياب صورة الرئيس السادات عن

جدار الصالة، فصرخ على أمى التى حاولت مواربة الموقف ومعالجته، ثم تبع نداءه بنداء بصوت عالٍ «واد يا رامي» فارتجفت لصوته ولم أستطع مواجهة عينه واكتفى بأن وبخنى واقسم عليّ ألا أحادثه حتى أصحح خطيئتى وأعيد تعليق صورة السادات على الجدار .
ومن أجل حلم الالتحاق ببلاط صاحبة الجلالة تلخصت حياتى فى قطار الساعة السابعة والنصف من رصيف 5 درجة تالتة عادية متجها للقاهرة والعودة من رصيف 1 فى قطار الحادية عشرة إلا الربع عائدا لطنطا .محاولا امتلاك ناصية حلمى، سنوات وسنوات وسنوات لأجل تحقيق الحلم، ثم زاد الطموح بأن أنهى دراستى العليا وأحصل بفضل من الله على درجة الماجستير ثم درجة الدكتوراه، وأعترف اننى كنت مثالا للأعمى الذى لم ير إلا حلمه، غير أن كل شيء بقدر، وكل شيء عند الله بمقدار، لعلنى أتذكر معك عزيزى القاريء لحظة إعلان لجنة المناقشة حصولى على درجة الدكتوراه، كنت قد كتبت الإهداء لأمى ولم أكتب إهداء للحاج محمد المنشاوي، تخيلت أنه لم يحضر لكنه فاجأنى وخيب ظنى، وحضر رغم أن حياته تتلخص فى أمرين لا ثالث لهما، الذهاب صباحا للدكان والعودة مساء من الدكان، جاء أبى مناقشة الدكتوراه لابنه الأصغر بين أبنائه البنين، والذين أصبحوا من كبار رجال الأعمال فى مدينتى طنطا،  وأحسست فى هذه اللحظة بدونيتى كونى لم أكتب الإهداء لأبى، ولعلنى الآن بما أكتبه لك عزيزى القاريء هو عريضة  تظلم؛  لتكون عوضا عن الإهداء الذى لم أكتبه، وكلما تذكرت ابتسامته وقت منحي الدرجة العلمية، تذكرت مدى دونيتى، فلتغفر لى أبى وليكن ما أكتبه الآن شفيعا لى عندك وأنت فى دار الحق …
– التاريخ : 10 يناير 2021 بحسابات السنين والأيام عند بنى الإنسان.
– التوقيت، عقب صلاة العشاء بوقت قصير «ربما ساعة أو نصف ساعة».
يعنى أن ما سأقصه الآن فات عليه نصف شهر، وما أسرع الأيام فى عمر ابن آدم وما أقربها وأبعدها وأقصاها وأدناها فى الوقت ذاته.
كنت واحدا ممن جمعتهم جلسة المقهى الأحمدى الشهير بميدان سيدى أحمد البدوى، أتوسط أصدقائى الذين جلسوا معى، الحديث فى مثل هذا الوقت يكون منوعا ما بين مهنة الصحافة أو كتاب قرأه البعض يتناول فيه محمد مبروك أهم ما توقف عنده أو عمل إنسانى تسعى فيه الصديقة الدؤوبة على فعل الخير الدكتورة سالى هراس . بينما أنا شاخص ببصرى تارة تجاه الأطفال الذين يتقافزون داخل ميدان المسجد الأحمدى وبين العم فايق عامل المقهى الأقدم وصاحب الصوت الصاخب الذى يفزعنا من وقت لآخر، وبينما أنا أسحب سيجارة من علبة دخانى، فاجأنى ذلك الرجل «المجذوب الصاحى » لا أعرف اسمه لكنى ألتقيه على مدار سنوات فى مرات غريبة ومتفرقة، جاء ووضع يده على كتفى، يرتدى جلبابا رمادى اللون، اقترب من أذنى وهمس فيها :« الحق اقعد مع ابيك عشان قطاره قرب يوصل وهيسافر ..انا شفت اسمه فى كشف التذاكر ».
أنهى الرجل جملاته التى لم يسمعها غيرى،  لاحظ كل من فى جلستنا تغير ملامح وجهى، فزعت من مكانى وقمت لمحاولة اللحاق بالرجل الذى أراه فى مرات نادرة ومتقطعة، أمسكته من كتفه، حاولت مواجهته أن يعيد علىّ ما قاله لى، لاحظ الحضور انفعالى على الرجل، لكن الرجل أسكتنى بجملة أخرى «اسمع …أنا بوسطجى وسلمتك البوستة بتاعتك» ثم تركنى الرجل وسط حضورى الغائب وسط الجميع .
المسافة بين محل والدى الحاج محمد المنشاوى وبين المسجد الأحمدى تقدر بمائة خطوة، أحصيتها مرة وأنا فى العاشرة من عمرى متدربا على الحساب والعد، قطعت المسافة، كان أبى داخل المحل جالسا على كرسى فى وضع النوم وممددا بقدمه على مقعد آخر، انزاحت طاقية الرأس على جبهته، فبان مفعول الكيماوى الذى أكل شعيرات بسيطة كانت نابتة فى رأس أبى، وجدتنى أهم على يده أقبلها،  فكان فى غفوة نوم، استفاق على يدى وهى تمسك بيده وشفتى على ظاهر الكف .
كان لا ينادينى باسمى، قال لى :أهلا يادكتور « وكعادته فى كل مرة يلقانى فيها يضع يده فى جيبه ويخرج ورقة فئة المائتي جنيه ويعطيها لى، أقول له :«مستورة ياعم الحاج » فيقول لى :« امسك هات بيها حاجة لعيالك وانت مروح  »..كانت عينه هذه المرة شاحبة وقد تملكها مساحة أكبر من البياض أخفى بؤبؤ العين، شاحبة ومطفأة، وكنت طامعا فى مساحة من الحنو يهديها أبى لى، قررت أن أصحبه إلى بيته هو وأمى الأولى «الحاجة وداد » التى لم يحب غيرها بين النساء اللاتى تزوجهن،  قال لى إنه يستشعر صداعا يفتك برأسه . فقررت أن أبدأ مساحة واسعة من الاتصالات بأصدقاء من مهنة الطبابة، ومازالت جمل ذلك الرجل ترن فى أذنى، قال لى أحد الأطباء إن هذا من أثر جرعات الكيماوى، والأمر خير، لكنى كنت استشعر شيئا آخر،  أوصلت أبى إلى بيت اختى التى تكبرنى،  ثم حضر أخى الأكبر وتبعه أخى الثانى، أنا الأصغر بين الحضور، طلبت من الحاج عبدالمنعم الأخ الأكبر أن نذهب الآن للمستشفى، رد أخوتى أن والدنا بخير ولا داعى للذهاب، كان بداخلى شيء وددت الصراخ به لكن لسانى فى وضع المشلول عن النطق، لدرجة اننى رفعت صوتى على أختى الكبرى ….ذهبنا إلى المستشفى، ساعة أو ساعتين، ليتحول أبى إلى شخص آخر، الحاج محمد المنشاوى لم يعد يعرف من نحن، نحن ابناؤه، ظل عند نقطة معينة، تبدت امامى الآية الكريمة :« اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ » أبى لا ينادى إلا على ابنه الأول الذى رزق به «منعم » يناديه مجردا ليس بمثل ما اعتدنا على سماعه «حاج منعم» .أبى يعود بعمره إلى سنوات الشباب الأولى، لم ينجب إلا منعم يناديه فقط، ويتحدث إليه بكلام لم نفهمه .كل التحاليل الطبية تقول إن وظائف جسد ابن ادم فوق الجيدة ….اخبط بيدى على طاولة الأطباء صارخا وراغبا فى معرفة السبب وراء هذا الغياب عن الوعى، ..أبى لم يعد أبي…الحاج محمد المنشاوى صار رجلا آخر يتعامل معى كأني غريب عنه، يربت على كتفى، يطلب من أخى الأكبر أشرف أن يتركه لينام على أريكة المستشفى ثم يعده بأنه سينصرف إلى حال سبيله بعد صلاة الفجر يقول له :«شوف يابنى الله يكرمك بس هانام هنا على الكنبة دى قدام دكانك وهامشى بعد الفجر ..سبنى يابنى وحياة ابوك انام شوية » يبكى الرجال لرؤية ابيهم مغتربا عنهم،  يقرر الطبيب تحويله لغرفة الأشعة لعمل رنين على المخ،  ابى لا يعرف أبناءه،  لا يعرف من هو،  الطبيب يدك ابرة التخدير لمحاولة احكام السيطرة على جسد الرجل الذى انهكه الكيماوى، ينام أبى على طاولة الأشعة مثل الطفل، يغلق الطبيب باب غرفة الأشعة، تبدأ صيحات الفزع الاولى لجهاز الرنين الذى بلا قلب، صيحات مفزعة وأبى ممدد، أقبض على مسبحتى وأردد بصوت جلى، «فاعلم أنه لا إله إلا الله» مرت الدقائق كأنها ساعات طوال وانا فى وضع القرفصاء متكوما على مسافة ذراع من جهاز الأشعة …تظهر نتيجة الأشعة، يخبرنا الطبيب ان الورم زحف على المخ ..نسير مع أبى الذى لا يعرفنا، أضع تحت قدميه نعله، فيربت على كتفى ويدعو لى كأنى فتى أحسن والده تربيته «ربنا يجبر بخاطرك يابنى »…….ثم مات أبى .. وصرت يتيما فى عمر الأربعين، متوقفا وحدى على بلاط صاحبة الجلالة ،وحدى أحدثكم ووحدى أكتب لكم …فهل أستسمحك عزيزى القاريء أن تهديه فاتحة الكتاب لتؤنس وحشته وتتنزل عليه رحمة فى مستقره بعيدا عن ماله وبنيه.

د. رامى المنشاوى



[ad_1]

By ADMIN

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ÊÍÞíÞÇÊ ÚÇãÉ
ÇáÚÞÇÑÇÊ ÇáãÚÑæÖå
æÙÇÆÝ ÎÇáíÉ
ÕæÊ ÝáÓØíä
ÇÓÑÇÑ ÇáßãÈíæÊÑ
ÃÖÝ ãÞÇáÇ
ãÞÇáÇÊ ÇáÞÑÇÁ
ÔßÇæì æãÞÊÑÍÇÊ
ÝÑíÞ ÇáÚãá
ÈÑÇãÌ ãÚÑÈÉ
ÇÊÕá ÈäÇ