هناك فكرة شائعة في الاوساط المثقفة مفادها أن الحداثة استنبتت شكلا جديدا وحاسما للفردانية.تحتل فيه ذات الفرد وهويته المفردنة مكانة مرموقة . بواطن القول تفيد ان الفرد في الماضي لم يكن سوى مقهور وتابع لضوطات وإملاءات البنى ،إن الناس في ازمنة ماقبل الحداثة كانت فرديتهم حاضرة ومتجذرة ولكن بشكل مختلف تراعى فيه الضوابط الدينية والقيمية .فالفرد يحقق فردانيته ويصعد في السلم الاجتماعي بمدى التزامه بهذه الضوابط.
إن انبهار المصلحين بالنموذج الغربي نتج عنه رهانات فكريّة وحضاريّة وثقافية تمسّ مفاهيم مختلفة ومتشابكة كالهويّة، والانتماء، والتراث، والخصوصيّة، والكونيّة، والديمقراطيّة، والحداثة، وغيرها من دعوات إلى القطع مع الموروث السياسي الاسلامي بماهو موروث خصب ورحب ، والاستناد إلى النظريات الحديثة، وهي غربية المنشأ، أو التماهي مع ذلك الموروث، والسعي إلى إحيائه، واعتباره الأنموذج الأمثل للخروج من التخلّف الحضاري، أو الدعوة إلى التعامل مع الموروث تعاملًا نقديٍّا بدرسه دراسةً ثاقبةً تخلّصه من سلبياته؛ للاحتفاظ بما يُعدّ من بقع الضوء فيه، أو دعوة أخرى إلى المزج بين الموروث الأصيل والإفادة من الغربيّ الطارئ . وعلى الرغم من الاختلافات التي نجدها بين ما ذهب إليه رفاعة رافع الطهطاوي، وخير الدين باشا، وأحمد بن أبي الضياف، وعبد الرحمن الكواكبي، وغيرهم من المصلحين ؛ يتعلّق الأمر الأوّل بأنّ دعواتهم الإصلاحيّة في المجال السياسي كانت في الحقيقة نتيجة
مقارنات أجروها بين واقع العرب والمسلمين في ذلك الوقت، وما وصل إليه الغرب من تقدّم حضاري ومعرفة دعائمه السياسيّة، فلم تكن دعوات الإصلاح نتيجة تحوّلات داخليّة في الأساس وهذا ما ولّد ذلك السؤال المشكل: لماذا تقدّم الغرب وتأخّر المسلمون؟ وهذه الدعوات تحمل في متونها نوعا الانبهار الكبير بتقدم الغرب ما جعلهم يتعاملون بنوع من الانتقاء مع الموروث الحضاري الاسلامي الذي يفوق الغرب باشواط واشواط بمعنى اخر نتبع سياسة الترميق والتلفيق والاقتباس وناخذ من الغرب مايناسبنا ونترك ما يتعارض معنا.وها نحن نرى نتائج الترميق الهوياتي ونعيش على وطاة نموجذين جعلا الشبيبة تعيش نوعا من التمزق الهويتي بين متطلبات الاسلام وضوابطه وبين املاءات الحداثة.
لقد عولجت مسألة العلاقة بين الدين والدولة في الثقافة الإسلامية، إما في إطار المقارنة مع
المسيحية، وعلاقتها بالدولة، ومقارنتها بالنصوص التأسيسية للإسلام، وإما بطريق البحث في كيفية
التوارث التاريخي لفكرة الخلافة، والسياسة الشرعية، والقراءات الفقهية لنظام الحكم. لكن مسألة
الإسلام السياسي، والخطاب الإسلامي المعاصر، وعلاقتهما بالدولة الحديثة، تظل من المسائل الراهنة
والملحة التي ترغم المتفكر في شأن الانتظام المجتمعي للدولة الحديثة على أن يقاربها بشيء
من التحليل العقلاني والتفهمي، متجاوزاً الأحكام القبلية، والمصادرات الإيديولوجية المنتصرة لهذا
الطرف أو ذاك من أطراف الصراع. ولسنا ندعي بلوغنا قصب السبق في تدبر هذه المسألة، وإنما
أقصى ما نروم من بذل الوسع في هذا المقام هو أن نزحزح القضية عن ثنائية الوصل والفصل بين
الدين والسياسة؛ نحو منطق التعايش بين تصورين للوجود الاجتماعي المشترك، أساسه المحاورة
والمناقشة لصالح مقوم أساسي جامع هو مصلحة الإنسان.
ان الحضارة الاسلامية تحمل خاصية متفردة عن بقية الحضارات وهي ان الدين محركها وداعمها فقد اهتمت الدولة الإسلامية التي انشأها رسول الله صلى الله عليه ,وسلم واستمرت اطار الخلافة في الفترات الأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية والعلمية والثقافية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام كدين عالمي يحض على طلب العلم ويعتبرهُ فريضة على كل مسلم ومسلمة، لتنهض أممه وشعوبه. والإسلام يكرم العلماء ويجعلهم ورثة الأنبياء.. لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة .ان الاسلام والموروث الثقافي للحضارة الاسلامية بصفة عامة هو من جعل الشعب الاوروبي على المضمار الحضاري لتركض فيه بلا جامح أو كابح .. فبينما كانت الحضارة الإسلامية تموج بديار الإسلام من الأندلس غربا لتخوم الصين شرقا في عهد الدولة الأموية كانت أوروبا وبقية أنحاء المعمورة تعيش في جهل وظلام حضاري.
لست ابغي باستعادتي هذه الوقائع الانحياز الايديولوجي وانما فك الثام عن الماضي الاسلامي الرحب بماهو ماضي امجاد وتقدم حضاري شهد اوج عطائه في الدولة العباسية وبنت على منواله ماليزيا.