سوريا ومؤامرة الشياطين
سوريا خيرة بلاد العرب والمسلمين بلد الحضارات والبوابة الشمالية لبلاد الشام، منطلق جيوش الفتح الإسلامي عبر التاريخ هي من أوصى بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خيراً، تحالفت عليها قوى الشر والظلام، فمنذ ثورة الشعب السوري في العام (2011م) ظن البعض من السوريين والعرب وحتى الغرب بأن نظام “بشار الأسد” سيسقط خلال بضعة شهور، لكن جميع التنبؤات أخطأت وما زال النظام السوري يتسلم مقاليد الحكم في سوريا على الأقل في وسائل الإعلام السوري.
فما هو السبب الرئيس من نجاح “الأسد” في البقاء طيلة السبع سنوات الماضية؟
بدأت الثورة السورية كغيرها من الثورات البشرية ضد أي نظام لم يحقق مطالب الشعب الذي يحكمه، فبعد سقوط نظام الرئيس التونسي “زين العابدين” عام (2010م) أثر ثورة ( الحرية والكرامة) وسقوط نظام الرئيس المصري “حسني مبارك” عام (2011م) أثر ثورة (25 يناير) بدأ رواد “الفيس بوك” في الجهورية العربية السورية بالمناداة بإسقاط نظام بشار الأسد، فانطلقت الثورة في مدينة “درعا” بتاريخ ( 18/3/2011م) ومن ثم انتقلت إلى جميع المدن السورية كثورة عفوية من شعب كل تطلعاته الحياة الكريمة.
وبعد ذلك ظهر ما يسمى “بالمعارضة السورية” الممولة من عدة دول وبدأت تحرك الثورة من الخارج ، وبعد ذلك ظهر “الجيش الحر” ثم ظهرت “الجبهة الإسلامية، ثم ظهرت جبهة النصرة، ” ثم ظهر “حزب الله اللبناني” وبعد ذلك ظهر تنظيم الدول الاسلامية “داعش”، ثم ظهر “جيش المجاهدين” ثم تدخلت القوات الإيرانية ثم القوات الروسية ثم القوات التركية، فخرجت الثورة عن مسارها الحقيقي والنبيل، فقتل أكثر من نصف مليون سوري، وجرح أكثر من مليونين سوري، وشرد أكثر من خمسة ملايين لاجئ.
لكن لماذا ظهرت كل هذه الحركات المسلحة؟ ولماذا هذا التدخل الإيراني والروسي والتركي المباشر والأمريكي والإسرائيلي غير المباشر؟ ومن يقاتل من؟ ولماذا يقاتلون؟ هل من أجل تحرير سوريا؟ أم من أجل تدمير سوريا؟
هذا الظهور والتدخل هو “مؤامرة الشياطين” على “سوريا” وليس على “الأسد” ونظامه، والهدف تدمير الدولة السورية وإرجاعها الى “العصر الحجري”، فالمواقف من الأطراف المتدخلة في سوريا متعارضة متناقضة بين ليلة وعشاها، فالروس من جهة يدعمون نظام “الأسد” ويزودونه بالأسلحة ويدافعون عنه عالمياً ومن ثم يدعون إلى الحوار السلمي، وايران تدعم “حزب الله” لإبادة الطائفة السنية، والأمريكان يدعمون الطرف الرئيسي الثاني وهو “داعش” ويقفون عائقاً أمام جميع الحلول السلمية التي تقدمها الدولة العربية وخصوصاً المملكة العربية السعودية لحل القضية السورية، والأتراك يتظاهرون بدور الداعم “للشعب السوري” وثورته المسلوبة فأحياناً يعارضون الروس وأحياناً يطلبون مزيد من التعاون العسكري والاستخباراتي بينهم وبين الروس، وهذا التناقض هو حقيقة ” المؤامرة الشيطانية” فالروس هم من يحموا نظام “الأسد” وتركيا تطلب من الروس مزيداً من الدعم أي بمعنى أن الأتراك يحموا هذا النظام بشكل غير مباشر فصديق صديقي هو صديقي، وإسرائيل ممثلة بسلاح الجو تتدخل عند الضرورة فإذا شعرت بتفوق طرف من الأطراف فإنها تقوم بضربات استباقية سعياً منها لإبقاء الوضع كما هو عليه وهو مزيد من الدمار لسوريا.
فلقد كان بإمكان الروس منذ بداية الثورة السورية إجبار “الأسد” على الخروج من سلطة الحكم بسلاسة مقابل بعض الامتيازات له، لكنهم ينتظرون الوقت المناسب لذلك كتخطيط استراتيجي يسعى إلى تقوية العلاقات الروسية الأمريكية في المقام الأول وذلك تنفيذاً لسياسة الخارجية الأمريكية والمتمثلة في نهاية مراحل “الشرق الأوسط الجديد” والذي يهدف إلى تدمير الوطن العربي وبالتحديد سوريا، بالإضافة إلى تقسيم سوريا جغرافياً وتكون روسيا المسيطر الأكبر على هذا التقسيم وهذا ما صرح به الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وسماه بالمناطق الامنة في سوريا ، وبعد ذلك لن يبقى “للأسد مكاناً في الساحة السورية”، لكن بعد ماذا!؟
الكاتب والباحث في الشؤون الدولية والإقليمية الدكتور / شادي جمال أبو حلتم