سبع دقائق فقط هي كل ما كان يحلم به نبيل البوشى لينجو بحياته وثروته من ” بهدلة ” السجن ومطاردة المودعين ومصادرة ممتلكاته هو وعائلته في مصر.
كان يجلس فى صالة انتظار الممر رقم 118 في مطار دبى ينتظر مرور تلك الدقائق القليلة بفارغ صبر ليركب بعدها الطائرة المتجهة إلى لندن ومنها إلي مونتريال.. حيث قرر الاختفاء نهائياً.. فهو يحمل الجنسية الكندية.. ويضع أمواله في بنوكها.. ويستطيع أن يعيش ملكا بعد أن يأتي إليه من يشاء من أبنائه وزوجاته.. وليخبط مئات المودعين الذين أخذ منهم ما يزيد علي 250 مليون دولار (أكثر من مليار جنيه) رؤوسهم في الحائط حتي يغمي عليهم فيكفوا عن الصراخ.
قبل أن تمر تلك الدقائق القليلة جاء إليه شرطيان برتبة رقيب وطلبا منه في هدوء أن يتبعهما .. فقام معهما دون أن يفتح فمه بكلمة واحدة.
كان نبيل البوشي قد عاد من لندن قبل يومين .. ليصفي ما تبقى له في دبي.. فيللا.. وشقة.. وأسطولاً من السيارات الثمينة.. ولو بقى فى لندن ما كان أحد قد طاله.. فخطأ الشاطر بألف خطأ مما تحسبون .
بعد عودته راح علي الفور يتفاوض مع إحدي ضحاياه وهي نشوي مجاهد التي أودعت لديه مليون درهم وطالبته بها وبالربح المتفق عليه وهو 198 ألف درهم.. ونشوي مجاهد سيدة مصرية مقيمة في دبي ومتزوجة من شخصية إماراتية نافذة.. وهو ما منحها قوة في الإصرار علي أن تحصل علي أموالها مع العائد المتفق عليه.. فلم يجد نبيل البوشي مفراً من أن يوقع لها علي شيكين.. الأول بقيمة رأس المال.. بتاريخ نفس اليوم.. والثاني بقيمة الأرباح بتاريخ لاحق في شهر يوليو.
ولم يكن نبيل البوشي حسن النية وهو يوقع علي الشيكين.. فالبنك أغلق أبوابه.. وطائرته ستقلع بعد ساعات.. وفي الغد عندما تقدم الشيكين للبنك وتتلقي الصدمة لن يكون أمامها سوي أن «تبلهم وتشرب ميتهم».. ويكفي أنها وظفت أموالها معه 8 سنوات وأخذت عليها عائدا مذهلا لا يقل عن 800 %.
لكنها.. كانت أكثر ذكاء منه.. فقد اتصل زوجها بمدير البنك ليلا.. وطلب منه الاستعلام عن رصيد نبيل البوشي عبر شبكة الكمبيوتر وهو في بيته.. فكانت النتيجة أن رصيده لا يسمح.. فسارعت في الحال باتخاذ الإجراءات القانونية.. وفي ثلث ساعة كانت كل منافذ الخروج الجوية والبحرية والبرية لديها أمر بالقبض عليه.. وهو ما كان قبل صعوده الطائرة بسبع دقائق.
حسب الإجراءات المتبعة في دبي فإن المتهم في قضية شيك لا يعرض علي النيابة إلا بعد منحه مهلة 48 ساعة لسداد ما عليه.. فإذا ما نجح في السداد خرج من القضية دون تحقيق.. وإذا فشل بقي في الحبس لاستكمال باقي الإجراءات.
قدم نبيل البوشي طلبا للنيابة وافق عليه مسئول في سجن منطقة المركبات هو محمد ناصر.. خرج بمقتضاه مؤقتا إلي مكتب كاتب العدل (الشهر العقاري) ليوقع علي توكيل يسمح لصديق يدعي سهيل بالتصرف في شقة يمتلكها في أبراج شركة إعمار بالجميرة.. قيمتها 11 مليون درهم.. لكنها بيعت بستة ملايين درهم.. أخذ سهيل أربعة ملايين منها.. قائلا لنبيل البوشي: ” اخصمها من فلوسي عندك “.. ورفضت نشوي مجاهد تسلم المليون التي تستحقها في الحال وأجلت تسلمها إلي ما بعد إيداعها في خزينة النيابة.
أما سر ذلك التأجيل فهو استجابتها لطلب من المقاول المصري الشهير وجدي كرارة.. قال لها: إن تأجيل قبض المبلغ سيؤجل الإفراج عن نبيل البوشي يوما أو يومين يكون خلالهما قد تقدم ببلاغ ضده بشيكات كتبها علي نفسه تزيد قيمتها علي 12 مليون دولار.. فلو قبضت المبلغ فورا فإنه سيخرج فورا.. ويطير فورا خارج دبي.. ولن يمسك به أحد.. ووافقت نشوي مجاهد علي الاقتراح.. بل إنها تقدمت ببلاغ آخر ضده بالشيك الثاني الذي وقعه لها.
وتقدم كفيل نبيل البوشي في دبي ببلاغ ثالث ضده.. يطالبه فيه بمبلغ 750 ألف درهم.. والكفيل هو صالح محمد حسن آل علي.. وهو وكيل شركة نبيل البوشي البريطانية.. شركة أوبتيما هولدنج ليمتد.. وهي شركة تكونت في جزيرة فيرجين أيلاند (أو جزيرة العذراء البريطانية).. أما فرعها في دبي فهو مكتب تمثيل تجاري.. يقع في مبني يملكه عبد اللطيف السركال بمنطقة ديرة بورسعيد.. والرخصة التجارية للشركة هناك تحمل رقم 564650.
ومن سوء حظ نبيل البوشي أن البلاغات الثلاثة قدمت في ثلاث مناطق مختلفة هي المركبات والرشيدية وبر دبي.. وهو ما فرض عليه التنقل من سجن إلي سجن للتحقيق معه.. أما أول سجن وجد نفسه فيه فهو سجن المركبات.. وهو عبارة عن عنابر في البدروم.. في كل منها عدد من المحبوسين علي ذمة قضايا مختلفة.
وعندما قبض عليه كان يرتدي ملابسه الكاملة التي لم يغيرها لساعات طويلة مما جعل رائحة عرقه لا تطاق فتطوع مصري مقيم في الإمارات هو شريف حسين بشراء ترينج سوت علي حسابه وقدمه له.. كما أن وجدي كرارة الذي زاره بعد القبض عليه ثمان مرات في أربعة أيام دفع له نحو ألف درهم ليشتري بها كروت التليفون العمومي الموجود في السجن.. إن الرجل الذي عاش حياة مترفة لا يعيشها الأمراء والمليونيرات عاد ينتظر حسنة من الذين نصب عليهم.. سبحان الله.
قبل أن يعود من لندن اتصل نبيل البوشي بوجدي كرارة قائلا: ” لو أديتوني فرصة سأسدد كل ما علي من فلوس في ستة شهور “.. ثم اضاف: “لو كانت إنجلترا قد وقعت بسبب الأزمة العالمية فإن المانيا لا تزال سليمة.. لقد لعبت لعبة بسيطة وكسبت في دقائق 13 ألف دولار ولو كبرت اللعبة سوف تكبر الأرباح “.. ووافق وجدي كرارة علي أن يعطيه فرصة أخري في المانيا.. بل وعرض عليه تأجير مكتب يدير أموره منه.. لكنه.. في الحقيقة كان يناور ويخادع كعادته في الشهور الأخيرة.
في خلال تلك الشهور عاش نبيل البوشي عيشة مترفة تضاعف فيها إنفاقه مئات المرات بسفه المحروم الذي وجد الدنيا تفتح ذراعيها إليه بعد طول مشقة.. إن نشأته المتواضعة مع ضعف ثقافته وتعليمه في ظل طموحاته المتهورة تفسر تلك النفقات بلا حساب.. بل وتفسر مسيرة حياته غير المستقيمة.
لقد بدأت المسيرة غير المريحة في بورسعيد.. حيث كان نبيل البوشي موظف أمن في فرع بنك تجاري هناك.. وتحالف مع موظف آخر (م.غ) علي أمور ما أدت إلي طردهما من البنك.. وحفاظا علي سمعة البنك رفض رئيس مجلس الإدارة تحويلهما إلي النيابة العامة.. ولو كان ذلك قد حدث لما وصل نبيل البوشي إلي ما وصل إليه.. وفيما بعد توسط شريكه المنحرف له كي يعمل في إدارة العمليات الخارجية ببنك آخر.. لكنه.. لم ينل الوظيفة لجهله التام بالغة الإنجليزية.
واستمرت المسيرة المريبة إلي أن وصلت إلي المانيا.. حيث أقام هناك علاقة مع مانيكان من مانيكانات المجلة الجنسية العارية ” بلاي بوي ” مصت دم قلبه وأنفق عليها أكثر من ثلاثة ملايين يورو.. وكان يسافر إليها بحجة التفاوض علي شراء لاعبين للنادي الإسماعيلي.. ولم يتردد في أن يعلق صورتها في فيللته بدبي.. لكن.. زوجته المغربية الأخيرة حكمت بوجلاية نزعتها ووضعت صورتها مكانها.
ونبيل البوشي هو الزوج الخامس لحكمت أحمد بنعيس بوجلاية وقد اشتري لها في 9 أبريل الماضي شقة بمليونين و400 ألف جنيه سددت بشيك مصرفي رقم 190812 مسحوب علي بنك «إتش إس بي سي» فرع وسط البلد وهو الفرع الذي كان يتلقي فيه زوجها إيداعات المتعاملين معه.. والشقة في الدور (19) رقم (2 ب) شارع النيل بالجيزة.. مساحتها 207 أمتار.. مكونة من ثلاث غرف (نوم وصالون وغرفة طعام) وحمامين ومطبخ.. وقد نفت الفنانة المغربية سميرة الهواري أنها عرفت حكمت بو جلاية علي نبيل البوشي في بيتها.. وقالت: إنه تعرف علي حكمت بو جلاية في دبي.. حيث ذهبت لتستثمر أموالها في شركته.. ثم تزوجا.
كان نبيل البوشي قد حجز فيللتين باسمه في كومبوند بالتجمع الخامس يسمي رويال مكسيم ودفع 900 ألف دولار عربونا.. لكنه.. استرد العربون ليشتري شقة حكمت بوجلاية في الجيزة بنصف العربون تقريبا (450 ألف دولار) وليشتري بالنصف الآخر فيللا له في مارينا.. وهو ما جعل النائب العام يدرس وضع أموالها وممتلكاتها تحت التحفظ باعتبارها زوجة لنبيل البوشي.. فطلاقها منه لم يوثق بعد.. وليس هناك دليل عليه سوي كلامها هي.. فقد قالت إنه رمي عليها يمين الطلاق قبل أن يحاول الهروب من دبي.. ثم قالت: إنه رمي عليها اليمين وهو في السجن محبوسا علي ذمة شيك نشوي مجاهد.
قبل حكمت بوجلاية كان نبيل البوشي يعرف سيدة مغربية أخري في دبي أنفق عليها الكثير لكنه لم يتزوجها.. كانت أقل هدية قدمها لها سيارة أوستن مارتن.. لايقل سعرها عن مليون ونصف المليون جنيه.
وسبق له أن تعرف علي نجمة تلفزيونية شهيرة جدا في بطولة المسلسلات.. يبدأ اسمها بحرف النون.. وتقدم لخطبتها وقابل خالها وقدم شبكة خاتما من الماس بجانب 100 ألف دولار.. ولم تستمر الخطوبة أكثر من أسبوع واحد.. وعندما وقع في الفخ.. وكشفت الأرقام الهائلة التي كان يتلقاها قالت لشخص قريب منها ويعرف ما حدث: لو كنت أعرف ذلك للهفت منه الكثير.. “جاتنا نيلة في حظنا الهباب”.
وعندما جرت مواجهتها بخبر الخطوبة فقدت أعصابها وأدعت أنها تمشي جنب الحيطة وتعيش في شقة متواضعة علي حالها ولو كانت من فنانات رجال الأعمال لعاشت في قصر أو فيللا علي الأقل.. ورغم أنها مثلت الصدق فإنها لم تقل الحقيقة.
وذات ليلة قابل نبيل البوشي فتاتين من فتيات الفنادق تنتميان لجنسية عربية وبعد أن اقسمتا له علي التوبة قدم لكل منهما سيارة بي إم دبليو وخاتما من الالماس لا يقل ثمنه عن عشرين ألف جنيه.. وبعد أسبوع وجدهما في نفس مكانهما تصطادان الزبائن.. لكنه.. لم يبال.. فقد دفع ثمن توبتهما التي لم تستمر أكثر من ساعتين من جيب المودعين.
واقام علاقة مع زوجة سابقة للاعب كرة قدم.. منحها 300 ألف دولار.. ومنح زوجها 200 ألف دولار.. مقابل أن يطلقها.. خلو رجل.. ووافق الزوج علي طلاقها بشرط أن تتنازل عن نصف الفيللا التي تمتلكها معه في الرحاب لبنتيها.. ولم يتردد نبيل البوشي في أن يشتري لها شقة بالقرب من شيراتون هليبوبوليس بمليون و200 ألف جنيه وسيارة فاخرة من شركة عز العرب.. وسافرت له دبي واقامت لبعض الوقت في فيللته بالجميرة.. وحولت لياليه إلي سهرات من طراز ألف ليلة وليلة.. ولم يشعر بالسفه فهو يدفع من جيوب المتعاملين معه.
وتسجل دفاتر فريد الطوبجي وكيل السيارات الفارهة المعروفة أنه اشتري سيارة لسيدة اسمها (س.ح).. وسيارة أخري لسيدة أخري اسمها (و.ش).. بجانب المجوهرات والفلوس الكاش التي كانت لا تقل عن 100 ألف دولار.
وفي سفرياته بدأ ينفق وكأنه شيخ من شيوخ النفط.. حجز كل مقاعد الدرجة الأولي.. نام في أجنحة فنادق سبع نجوم.. سهر في أغلي الملاهي الليلة في باريس ولندن.. واستدعي نساء بالتليفون كان يدفع لهن بالساعة كي يكن بجواره في كل مكان يذهب إليه.. وكأنه هارون رشيد العصر.
ويروي مصدر قريب منه: إنه شحن نجفا من دبي إلي المغرب ودفع في الشحن 70 ألف دولار كي يعلقها في قصر اشتراه هناك.. لكن.. حكمت بوجلاية أنكرت ذلك قائلة: إن كل ما شحنه كان نجفة واحدة نزعتها من فيللا دبي وأرسلتها إلي شقيقتها كي تعلقها في مركز التجميل الذي تملكه.. لكن.. هل يعقل شحن نجفة واحدة بسبعين ألف دولار؟.
إن ذلك كله قد حدث خلال العام الماضي.. عام 2008.. وفي ذلك العام قرر تصفية المبالغ الصغيرة.. واشترط أن لا يقل حجم المبلغ الذي يستثمره عن المليون دولار.. ومنح المودعين مهلة لرفع ودائعهم.. أو لتجميعها تحت اسم واحد.. وهو ما يفسر سر المبالغ الكبيرة التي تزيد علي العشرة ملايين دولار لبعض المودعين التي جعلت الكارثة مدوية ومفزعة.
واللافت للنظر أن التكالب علي وضع الأموال في شركة نبيل البوشي زاد بجنون بعد أن اكتفي باستثمار المبالغ الكبيرة.. فقد راحت شخصيات معروفة تغري من حولها بالدخول معها.. وهو ما يفسر وجود قوائم تسمي بأماكن أصحابها.. مثل قائمة القطامية التي يقف علي رأسها خالد وطارق أبو طالب.. وقائمة نادي الجزيرة وعلي رأسها حمدي الشربيني.
إن حمدي الشربيني محاسب قضي سنوات طويلة من حياته يعمل في دول الخليج وعندما عاد إلي مصر انضم لإحدي شركات صلاح دياب.. لكنه.. منذ ثماني سنوات قرر التقاعد.. وقدم كل مدخراته لنبيل البوشي.. وعاش علي الريع الشهري الذي يحصل عليه منها.. وقضي معظم أوقاته في نادي الجزيرة.. ويبدو أن الشمس والخضرة والفراغ جعلته يتحدث كثيرا عن عبقرية نبيل البوشي فلم يتردد أصدقاء النادي في أن ينضموا إليه.. لتصبح مأساة فرد قائمة طويلة.
ولو كان حمدي الشربيني وجد في اللجوء إلي نبيل البوشي راحة بعد طول عمل فما الذي دفع طارق وخالد أبو طالب لنفس الطريق؟.. لقد بنيا مشروعا في صحراء التجمع الخامس كان بالنسبة لهما مثل بيضة الديك.. وكسبا علي غير توقع ما لم يخطر علي بالهما من الملايين.. بل أكثر من ذلك كانت أسعار الفيللات عندهما تتضاعف بنسبة تفوق النسبة التي يعطيها نبيل البوشي لغالبية عملائه؟.
هما وحدهما اللذان يملكان الإجابة وإن وصف أحدهما نفسه بوصف ما وهو يتحدث تليفونيا مع ضحية أخري تعمل في المقاولات هو وجدي كرارة.
وقد وقع البلاغ الأول الذي تقدم به 39 مودعا إلي النائب العام ثلاثة: وجدي كرارة عن نفسه ووقع خالد أبو طالب عن مجموعة القطامية وحمدي الشربيني عن مجموعة نادي الجزيرة.
لكن.. ليس كل المودعين ضحايا.. فقد وضعت ليلي علوي نحو 50 ألف دولار وأخذت بعد مرور 4 شهور فقط 600 ألف دولار.. دون أن تقول لنا: كيف حدث ذلك؟.. وما تفسيرها لتلك المعجزة الاستثمارية؟.. وهل تعيد ما كسبت لزملائها من المودعين المنهارين؟.
وهناك من لم يهمه المكسب المغري.. فقد كان يضع أمواله في حجر نبيل البوشي كي يغسلها من تجارة السلاح التي يعمل بها.. واللافت للنظر أن اسمه يتشابه مع اسم شخصية معروفة.. وما إن كشفت الفضيحة حتي وضع يده علي قلبه كي لا ينشر اسمه.. ويثير الشكوك حوله.
وفي يوم الأحد الماضي نشر الموقع الإلكتروني للبنك المركزي الأمريكي قائمة باسماء الشركات الاستشارية والمالية التي يتعامل معها.. وليس من بينها بالقطع سيرة نبيل البوشي الذي كان قد زور خطابا منه ووزعه علي المودعين كي يضاعفوا الثقة فيه.. يستحسن أن نقرأ ترجمته:
من مجلس الإدخار الفيدرالي إلي حكومة الإمارات والأستاذ نبيل البوشي ــ شركة اوبتيما العالمية:
كل عام يجري اختيار خمسين مديرا للمشروعات المالية من المؤسسات المحترمة في مختلف أنحاء العالم.. الاختيار يتم بناء علي أدائهم المهني المحترف الذي ساهم بشكل إيجابي ومباشر في نتائج المؤسسات التابعين لها وساهم بشكل مؤثر.. وغير مباشر في زيادة المدخرات القومية.
هذا الاختيار السنوي يتوصل إليه خبراء ينتمون لأفضل البنوك في العالم ويشرف عليه مجلس الإدخار الأمريكي.
وخلال الثلاث سنوات الماضية زادت مدخراتكم (مدخرات الإمارات ونبيل البوشي) بنسبة 220 % مقارنة بالعام الماضي عندما كانت نسبة الزيادة 73 %.
وعلي أساس تحليل هذه النتائج المبهرة أختير السيد نبيل البوشي كواحد من أفضل الخبراء في الاستثمار علي مستوي العالم واحتل المرتبة رقم (24) متقدما أربعة مواقع عن العام الماضي ليكون رقم 28 في قائمة أفضل مدير مالي في العالم.
انتهي الخطاب الذي وقعه نائب المدير جيمس سميث.. ووضع خاتم البنك مزورا بواسطة الكمبيوتر.. وهي نفس طريقة التزوير التي دس بها الأخبار والصور المفبركة التي نشرها عن علاقته بالرئيس ورئيس الحكومة وبعض الوزراء.. وعندما كلفنا أحدا بسؤاله وهو في محبسه عن ما دفعه إلي ذلك قال ببساطة: إنها كانت وسيلة مناسبة للدعاية.
كان واضحا أن تلك الأخبار والصور المفبركة كانت تأتي إليه وهو في دبي من القاهرة عبر شركة أوبتيما مصر التي كان يرأسها أمين أباظة وخلفه في منصبه بعد دخوله الوزارة فكري بدر الدين الذي ثبت أنه شريك له في أوبتيما جلوبال بنسبة عشرين في المائة.. بل إن شركة أوبتيما المصرية نشرت إعلانا باسم رئيسها وجميع العاملين فيها يهنئون فيه نبيل البوشي عضو مجلس الإدارة علي اختيار سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم (نائب حاكم دبي ووزير الصناعة والتجارة) له رئيسا تنفيذيا لإدارة تقييم الأداء لشركات إدارة محافظ الاستثمار العاملة بالمركز المالي العالمي بدبي.
ويكشف المسئول السابق لهيئة سوق المال الدكتور هاني سري الدين عن وجود تداخل بين شركة أوبتيما مصر وأوبتيما جلوبال.. تداخل في عقود تحمل اسم الشركتين.. بجانب تحويلات من الشركة المصرية إلي شركة نبيل البوشي.. ولكن ذلك التداخل حدث في عام 2003 قبل أن يتولي هاني سري الدين منصبه.
وبالقطع استخدمت الشركة المصرية مكتبا لنبيل البوشي يقابل فيها عملائه للنصب عليهم.. والصورة الوحيدة غير المفبركة هي صورته مع أمين أباظة التي وضعت في صدر نشرات الدعاية التي طبعتها أوبتيما المصرية.
ولو كان أمين أباظة غير مسئول عن فترة ما بعد استقالته ودخوله الوزارة فإنه لابد أن يكون مسئولا عن ما قبلها.. ولو لم تكن شركته متورطة في عملية نبيل البوشي فلماذا وضع النائب العام أموال فكري بدر الدين تحت التحفظ؟.. لماذا سكت خليفته في رئاسة الشركة عن تجاوزات نبيل البوشي؟.. هل كان المبلغ السنوي الذي يتقاضاه منه ويصل إلي ربع مليون دولار عائدا علي ودائعه يكفي لسكوته؟.
ويروي سمير صبري محامي بعض الضحايا إن نبيل البوشي كان في كثير من الأحيان يطلب من زواره الخروج من مكتبه في الشركة كي يتكلم بحريته مع شخصيات سياسية مهمة يدعي أنها معه علي الخط.
والحقيقة أن بعض شركات الأوراق المالية استغلت البورصة في تحقيق مكاسب غير مشروعة لبعض المسئولين.. رفعت قيمة أسهم ما كي يكسبوا.. ويحقق المليون بالنسبة لهم عشرة ملايين.. وهي آخر مبتكرات الفساد في مصر لرشوة الكبار.. وشراء نفوذهم.. والسيطرة عليهم.
في سنة أولي فساد.. كان المسئول في مصر يحصل علي قطعة أرض ثم يبيعها بعد فترة بسعر مرتفع يزيد علي سعر السوق حسب درجة نفوذه.. كانت الرشوة تدفع من خلال عملية شراء الأرض.. ثم تطورت الرشوة لتقدم من خلال المضاربة بأموال المسئولين في البورصة.. وبالطبع لم يخسر مسئول واحد في تلك المضاربات.. ويجري غسيل تلك الأموال في شراء العقارات الغالية في القاهرة والعين السخنة والساحل الشمالي.
وفي محبسه بدبي أدعي نبيل البوشي الهذيان.. وراح يردد: ” معنديش فلوس.. خسرتها كلها.. محدش حيعمل لي حاجة.. أنا مسنود.. وحاخرج من هنا وأدي المودعين بالجزمة.. وحياة أمي أنا لو تكلمت حافضح الدنيا وأجيب عاليها واطيها “.. إن ذلك هو ما نقله عنه مودعون نجحوا في زيارته في السجن. وقد كان من السهل لقائه في زنزانته قبل أن تتفجر فضيحته وتصبح قضية رأي عام.. ولكن السلطات في دبي لم تعد تتساهل مع زواره.. خاصة مع وجود نحو 200 صحفي ومراسل من أنحاء مختلفة في العالم العربي جاءوا لتغطية أخباره.
وقد سألت بعض ضحاياه من أصحاب العقول الذكية: كيف نجح نبيل البوشي في النصب عليهم؟.. فقال أحدهم: إنه في بداية تعاملاته كان مستقيما.. يسدد ما يعد به.. لكنه في السنة الأخيرة بعد أن كبر حجم الإيداعات لديه فلتت الأمور في يده.. يضاف إلي ذلك شعوره بالغرور.. وإنفاقه غير المنضبط علي حياته الخاصة.
وقال آخر: إنه كان علي علاقة بوزير سابق للخزانة الأمريكية هو الذي يحدد له الشركات التي يشتريها لترتفع قيمتها بعد ذلك محققا مكاسب لافتة للنظر.. لكن.. مع الانهيار المدوي الذي سببته الأزمة العالمية لم يعد يجد معه شيئا. وقال ثالث: إن نبيل البوشي كان يحقق أرباحه الهائلة من المضاربة علي العملات الأجنبية وبعد أن انهارت قيمتها مؤخرا خسر غالبية الأموال.
ومهما كان حجم ما كشف من هذه القضية فإن جراب الحاوي لا يزال فيها الكثير.