إعدام الكتب النادرة بقرار سرى بحجة عدم تكرار الحرائق !
الكتب المقرر إعدامها مترجمة وقيمة ولجنة قرار الإعدام من موظفى المخازن!
اغتيال جامعة.. كتاب يعرض لمأساة قضاء أجهزة الأمن على نوادى هيئة التدريس
رغبة الحكومة فى تحويل نوادى التدريس للأكل والشرب انتقلت لنادى القضاة والنقابات
كتاب مشروع زعيم يطرح سؤال حول استقالة الرئيس برغبته.. فهل تتركه الحاشية إذا تقدم بها ؟!
بعد أيام وربما ساعات معدودة سوف يتم إعدام آلاف الكتب دون أن يشعر أحد بهذا الهوان وهذه الكارثة.. وكم كنت أتمنى أن يقوم الذين يشعلوا حروباً ولم يقعدوها عندما يتم الاعتراض على كتاب قد يكون تافهاً أن يتصدوا لمثل هذه الجريمة..
ففى تكتم شديد وإثر حدوث الحريق الأخير فى دار الكتب استصدرت الهيئة العامة للكتاب قراراً داخلياً بتشكيل لجنة لإعدام آلاف الكتب حتى تتسع المساحات فى المخازن المكدسة ولا تتكرر الحرائق!
أما الكتب التى تقرر حرقها فليست من الكتب التى أثارت استياء مثل وليمة لاعشاب البحر أو الكتب التافهة والهابطة ولكن كتب تستحق القراءة والاطلاع ومنها القصة التاريخية والأدبية الرائعة والمترجمة كليوباترا وأحلام السلام وكتب للكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوى وغيرها حيث تجاوزت عشر عناوين وكل كتاب يضم آلاف النسخ
حدث هذا فى هيئة الكتاب التابعة لوزارة مسئولة عن الثقافة فى مصر وليس لدى صاحب مخازن أو مستودع لبيع ورق للمطاعم ومحلات البقالة قد يجهل أهمية الفكر والثقافة وأنها المدخل الأول لمقاومة الجهل والتعصب..
بالطبع أن اللجنة التى قررت إعدام الكتب معظم أفرادها لا يفهم الترجمة والثقافة والإحساس العميق بالأدب ولذا جاءت الموافقة بالأغلبية الساحقة وهو ما يؤكد أن اختيار أفرادها تم على أساس طبيعة نطاق إضافة وخصم الكتب بالهيئة مثل موظفى المخازن والادارات القانونية وغيرها!!..
وإذا كان القرار دليلاً على غياب الثقافة فعلى الأقل كان يجب مراعاة ما تم صرفه وانفاقه على الترجمة أو الطباعة من أموال الدولة وهى أموال الشعب أو البحث عن مكان جديد للمخازن خاصة أن أراضى مصر أصبحت تباع “سداح مداح” لأجانب وربما ظن موظفو الهيئة أنه لا يمكن المطالبة بمكان يتسع لمخازن جديدة وكأن الأرض ضاقت بما رحبت من صحارى وغيرها عن منح وزارة الثقافة مواقع جديدة للحفاظ على الكتب
وإذا كانت هيئة الكتاب تصر على حرق الكتب من باب الوقاية وهو أمر ـ بالطبع ـ سوف يتكرر مرات ومرات مع تزايد الكتب وتناقص الفكر وانعدام القرار الصائب فلا أقل من أن تقوم هيئة الكتاب باعلان ـ واعتقد أن الصحف سوف تنشره بدون مقابل ـ ليتقدم أصحاب المكتبات أو المواطنين أو قصور الثقافة والمكتبات المدرسية الفقيرة لأخذ هذه الكتب والهدية المجانية متقدمين بالشكر لهيئة الكتاب على هذا الكرم وتكون الهيئة ضربت عصفورين بحجر واحد.. تخلصت من الكتب الزائدة وأفادت المواطنين فهل يتحرك أحد فى الساعات المتبقية لانقاذ ما يمكن انقاذه.. أم أن وزارة الثقافة والهيئات التابعة لها أصبحت مرتعاً للعبث؟!.. وبهذه المناسبة نتحدى أن يكون لدى هيئة الكتاب جرداً للكتب والعناوين وكثير من الكتب تتوارى وتختفى بسبب التكدس وعدم التنظيم ولا توزع معظمها على المكتبات وكأنه مطلوب عباقرة لرص الكتب أو تدوين عناوينها واعدادها على الكمبيوتر فى وقت “صدعنا” رئيس الوزراء بالحكومة الالكترونية!! ترى هل يتدخل أحد لإنقاذ آلاف الكتب من الاعدام مثلما تم التدخل لإيقاف إعدام عدد من المصريين فى ليبيا وكلاهما قطع للرؤوس وإن كنا متأكدين أن إعدام الكتب بلا أى ذنب؟! وفى كل الأحوال نأمل ألا تكرر وزارة الثقافة هذا القرار فى قطاعات أخرى مثل المتاحف المكدسة بالآثار فتقوم بتدميرها وحرقها حتى يتسع المكان ولا تتكرر الحرائق ولعل ما حدث فى حرق الأبواب الاثرية بالمتحف الاسلامى من هذا القبيل.. وإذا كان هذا عرض لما يحدث للكتب فى وزارة الثقافة والتى من واجبها إنماء الوطنية فيبدو أنها تركت هذه المهمة للقطاع الخاص واكتفت الوزارة بنشر الكتب العجيبة تحت شعار الابداع!
ففى القطاع الخاص كان الابداع الحقيقى وهامش أكبر من الحرية وجدناه فى العديد من الكتب آخرها ما نعرض له ومنها كتاب للدكتور عبد الله سرور ـ الاستاذ بكلية الآداب جامعة الاسكندرية بعنوان اغتيال جامعة وهو “حوارية” تكشف عن مرارة الاوضاع الجامعية مستعيناً بشخصيات العديد منها لها ظل من الواقع..
وأهمية الكتاب ـ فى تقديرنا ـ أنا تؤكد ما يحدث فى الواقع لهذا القطاع المفترض فيه أن يكون منارة للأجيال القادمة.. فما يحدث حقيقة يبدو أن الحكومة وأجهزة الأمن قررت القضاء على قلعة من قلاع المعارضة الشريفة فى مصر فبات المستهدف هو نوادى أعضاء هيئة التدريس والمعروفة بالتصدى ومناهضة كافة السياسات الفاشلة للحكومة والتى ترفض دوماً تحسين مناخ التعليم الجامعى.. وتتدخل فى الانتخابات.. ورغم أن النتائج تكون محسوسة لصالح الوجوه الوطنية المؤهلة للفوز باكتساح تسعى أجهزة الأمن إلى اختراق النوادى والتحكم فى مقدرات الجامعات العريقة من خلال الانتخابات حتى تتخلص من الوجوه التى ارتبطت بالشجاعة وموقف الرفض وبأعلى صوت لكلمة لا فى وجه الفساد ويكون ذلك بدفع الأمن لمرشح ينال من وجوه المعارضة الوطنية.. وما أشبه الليلة بالبارحة.
معارك هيئة التدريس معروفة منذ معركة “الواحة” وهو تعبير معروف لشهود النضال عام 1983 إبان حركة نوادى أعضاء هيئة التدريس القوية للمطالبة بتغيير قانون الجامعات وإصلاح الإدارة الفاسدة وتعديل الأوضاع المالية المسيئة والتأكيد على دور نوادى التدريس فى الحياة العامة وحقها فى مناقشة القضايا القومية والاجتماعية ورفض استخدام التحقيقات ومجالس التأديب أدوات إرهابية لقمع الأساتذة وتكميم أفواههم وضرورة شغل وظائف الادارة الجامعية بالانتخاب الحر المباشر..
الجانب الآخر كما يعرضه د.عبد الله سرور يمثله شخصية الرعديد الجبان العاجز دائماً عن اتخاذ قرار أو إعلان رأى.. وقد تطور الأمر به إلى أن يشغل منصباً رفيعاً فى إدارة جامعته بالتعيين مجهول الأسس والمعايير ويفوح منه عبق البنكنوت!.. هذا البصاص الكبير يتحدث عن حزمة الوطن “المتهاوى على يد أمثاله” لعله يقصد خدمة أسياده وصانعيه فتتعجب من قوله لقد أكلتنا الأعباء والمسئوليات ولم يتبق منا غير روح وثابة إلى خدمة الوطن ورفعته!.. ثم ينقلب على عقبيه ليرمى خصومه بالتحجر!
لب الخلاف وجوهره هو أن الحكومة تريدها نوادى اجتماعية للأكل والشرب وازجاء الفراغ بينما الأساتذة الوطنيين يريدونها تعبيراً عن دور الجامعة فى خدمة الوطن (يوجد اساتذة يبلغوا عن الطلاب واساتذة يدافعوا عن الطلاب المعتقلين) ويرى الأساتذة الوطنيين الاهتمام بالقضايا العامة مثل إنشاء المفاعلات النووية وغيرها.
أن التاريخ يكرر نفسه.. الآن يستعينون أيضاً بالموظفين فى الحزب المتحكم لقد تم العمل على إلغاء دور الأساتذة فى الحياة الجامعية لكن النتيجة أن خلت المساحة أمام السلبية والتشكيلات العصابية والبؤر الإجرامية بعيداً عن العلم والتعليم ورعاية الطلاب وفضلاً عن الصراعات الحادة التى تظلل المناخ الجامعى فإن الفساد الادارى وتفشى المظالم كان سبباً فى لجوء الأساتذة لقضاء طلباً للحق والعدل حتى بلغت إعداد الدعاوى المتداولة أمام المحاكم ضد الجامعة أرقاماً قياسية غير مسبوقة وصار اسم الجامعة يتردد فى المحاكم أكثر مما يتردد فى محافل العلم ويكفى عاراً ما دونته أحكام القضاء ضد رئيس الجامعة الذى يتلاعب بالقانون وأحكام القضاء.
هذا الكتاب أو البلاغ الشجاع للدكتور عبد الله سرور يستحق الإشادة والتقدير خاصة أن ما يحدث من تربص لهيئات التدريس يتكرر مع نادى القضاة ومع النقابات وكل التجمعات المهنية والوطنية..
ينقلنا هذا الكتاب إلى حكاية سياسية بعنوان “مشروع زعيم” للزميل الصحفى الاستاذ رضا العراقى ويتحدث عن رئيس قرر بعد صراع داخلى مع نفسه ومع هاجس يطغى عليه إن يترك سدة الحكم وينهى فترة حكمه فأطلق سلسلة من الاجراءات ذات الشفافية لانتخاب حر مباشر لا تزوير فيه لتتمخض التجربة عن ولادة زعيم جديد يطلق الحريات ويحقق الطموحات ويعمل على تنفيذ المطالب سواء بتغيير الدستور أو القوانين المقيدة للحريات وحرية إنشاء الأحزاب وحرية إصدار الصحف وكل المطالب التى كانت تنشدها كل القوى الوطنية والتيارات الفكرية قبل ذلك الحدث.
وتشمل الحالة الذهنية والنفسية لاتخاذ الرئيس مثل هذا القرار بالتنحى عن الحكم وحالة مستشاريه والمقربين منه ثم توقف عند اللحظة الفارقة بين زعيم سياسى اتخذ قراراً غير مسبوق فى المنطقة ينسحب بعده من الحياة السياسية بهدوء يحسد عليه وبين لحظة ولادة أو مشروع زعيم جديد يحقق الأمانى ويطلق الطروحات وينفذ المطالب التى ألحت عليها القوى الوطنية واتفقت على ضرورة تغييرها وتصويبها..
وفى تقديرنا أن هذا الأدب السياسى إذا تطابق مع الواقع ومنه ما يحدث فى العالم الثالث قد يخرج بملاحظات..
فهناك رؤساء دول تركوا الحكم بإرادتهم وقدموا القدوة ومن أمثلة ذلك الرئيس نيلسون مانديلا فى جنوب إفريقيا وسوار الذهب فى السودان.. ووصل التقدم الديموقراطى حتى موريتانيا!
ولكن يظل الأشكال والسؤال الحقيقى هو هل “استغلظ” ممن هم حول الرئيس وصارت لهم إمكانيات تتهدد إذا ترك الرئيس الحكم مثل إتساع نفوذهم وإستفادتهم واستفادة أبنائهم وعائلاتهم وتكوينهم لثروات بطرق يمكن أن تكون محل تساؤلات ومحاكمات فى يوم ما؟!.. وقد يكون هذا الأمر والاستفحال بصورة يكون فيها الرئيس نفسه لم يستفد أو ينحرف مثلهم… فى هذه الحالة لن يترك هؤلاء “الحاشية” الرئيس ليقدم استقالته بل سيلحون عليه بالاستمرار ويصورون له انهيار الوطن بل والعالم كله إذا ترك الحكم.. وإذا أصر الرئيس على ترك منصبه.. أبداً لن يتركوه فبقاؤه يعنى حياتهم وتركه للحكم لا يعنى مجرد ابتعادهم.. وهذه خطورة عدم رقابة استفحال الحاشية