– مصر لم تطلب شراء عقار مضاد للإنفلونزا
– وزارة الصحة ومافيا تجار الدواء يمنعان تصنيع الأمصال
– إنفلونزا الخنازير حجم التغير فيها كبير وتختلف عن غيرها
– التاميفلو المصري أكثر فاعلية 3 مرات من نظيره المستورد
– اختراع مصل ليس صعبًا ومتوقف على الإرادة السياسية
مع تزايد المخاطر باحتمال ازدواج فيروس إنفلونزا الطيور “H5N1” بنظيره في الخنازير “AH1N1” وظهور فيروس ثالث آخر يصعب السيطرة عليه، وعدم فاعلية عقار التاميفلو في التعامل معه، أو عدم قدرة العقار الذي أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تصنيعه كمضاد لفيروس إنفلونزا الخنازير سريع الانتشار.
ومع الحالة الوبائية العالمية المستعصية يبقى الوضع المصري أشد تأزمًا لسواد التاريخ الحكومي في التعامل مع الأزمات التي عادةً ما تنتهي بكوارث؛ وهو ما طرح تساؤلاً عن دور الحكومة والمراكز البحثية في إنتاج عقار وأمصال قادرة علي التعامل مع فيروس الاتفلونزا “الطيور ? والخنازير.
كانت حالة من الفرح سادت الأوساط الطبية المصرية بعد إعلان فريق من باحثي المركز القومي للبحوث عن نجاحهم في إنتاج لقاح من سلالة مصرية لفيروس إنفلونزا الطيور؛ باستخدام الهندسة العكسية وعزل الفيروس المتوطن محليًّا؛ حيث تم التعرف عليه ودراسة خواصه الجينية بعد محاولات استمرت ثلاث سنوات، وما لم يترجم حتى الآن إلى واقع للتخلص من كابوس الفيروس القاتل، في حين دار نقاش وسجال حول تسميته “عقار أبو تريكة”، أم “عقار بناة الأهرام”.
( الرأى الحر) حاورت الدكتور محمد أحمد علي أستاذ الفيروسات بالمركز القومي للبحوث رئيس الفريق البحثي ومخترع المصل المضاد لإنفلونزا الطيور، حول دورهم في إنتاح العقار الخاص بفيروس إنفلونزا الخنازير، في ظل احتمالية احتكار شركات عالمية لإنتاجه، وما هو مصير المصل المضاد لفيروس إنفلونزا الطيور؟ ومتى سيتم نزوله الأسواق؟ ومن المستفيد من تأخير إنتاجه؟. وإلى نص الحوار..
فيروس إنفلونزا الخنازير كما يبدو تحت المجهر
* بداية ًما هو الفيروس ؟
** الفيروس عبارة عن حامض نووي عليه الشفرة الوراثية لكل تركيب الفيروس، وعليه غطاء بروتيني يغلف هذه المادة الوراثية من البروتينات، وهذا الغطاء يوجد عليه أماكن حتى يرتبط الفيروس بالخلية ويسبب العدوى لتلك النقاط الموجودة على سطح الفيروس، تحفز الجهاز المناعي في جسمه حتى يستخرج أجسامًا مضادة تمسك في هذه المناطق وتمنع الفيروس للالتصاق بالخلية ويتكاثر وتؤدى في النهاية إلى موته.
* وماذا عن فيروس الإنفلونزا بالتحديد ؟
** فيروس الإنفلونزا بشكل عام ينتمي لعائلة من الفيروسات تسمى “أورثو ميكسو فريدي فاميلي”، هذه العائلة الحامض النووي لها أو المادة الوراثية التي بداخلها مقسمة لـ 8 شرائط، كل شريط عليه شفرة بروتين تركيبي معين للفيروس، والبروتين جزء من غلاف الفيروس وبه شفرات مسئولة عن تكوين إنزيمات تساعد الفيروس على التكاثر، وهذه العائلة من نوع (rna) وهو بمثابة الحامض النووي لها، وهي شديدة التحور أثناء تكاثرها في العائل إذا كان طائرًا أو خلايا، ومن الممكن أن يحدث بها تحورات في المادة الوراثية نفسها، وهذا يعني تغيرات في تركيبتها الوراثية، وهذه التحورات من الممكن أن يكون لها تأثير في البروتينات المكونة لهذه الشفرات، والتي من الممكن أن تتغير لنوع آخر بشكل تام بسبب تحورات في الحامض النووى .
تغير جينى :
قلق من تزايد الإصابات بإنفلونزا الطيور في مصر
* ما الجديد الذي أصاب فيروس الإنفلونزا وجعله بتلك الضراوة وخاصة إنفلونزا الطيور”H5N1″؟
** فيروس إنفلونزا الطيور موجود ومعروف خواصه للعلماء منذ فترة طويلة، ولكن العالم والوسط الطبي بدأ يهتم به عندما أصاب أول إنسان عام 1997م من القرن الماضي في الصين، وهذا لفت نظر العلماء إلى أن هذا الفيروس علاقته بالخلية علاقة مستقبلات موجودة على الخلايا، وأن الإصابة حدثت لوجود مستقبلات على الخلايا التركيبية للجهاز التنفسي للإنسان ولكن بنسبة قليلة؛ لذلك كان يحتاج تراكمًا للفيروس، وهو ما حدث مع طول فترة الاختلاط بالطيور المصابة بالفيروس.
* كثيرًا ما تردد في الآونة الأخيرة كلمة فيروس حتى ظهرت على السطح أزمة بكتيريا الطاعون، فما الفرق بينهما وأيهما أشد؟
** الفيروس من الكائنات الدقيقة وليس خلية، فكان محيرًا للعلماء أكثر من البكتيريا التي هي خلية واحدة، وأهم هذه الاختلافات أن حجمه أصغر من البكتيريا بكثير، ثانيًّا الحامض النووي الموجود بداخل الفيروس واحد (DNA ، RNA) إنما في البكتيريا والخلايا يوجد النوعان من الحامض النووي، وثالثًا لا يوجد في الفيروس نفسه ماكينة تخليق بروتينات وتخليق أعضاء الخلية فيعتمد على تخليق البروتين على الخلايا والعائد الذي يستخدمها؛ فلذلك حاروا في تسميته فسموه دقيقة فيروسية partical، فأصبح الفيروس أشد ضراوة.
أما فيروس إنفلونزا الخنازير والذي صاحب الإعلان عن ظهوره أبريل الماضي بالمكسيك ضجة إعلامية وصحية زادت بشكل مفزع بعد رفع منظمة الصحة العالمية في يونيو الماضي درجة التحذير من إلى الدرجة السادسة التي جعلت منه وباءً عالميًّا يصعب السيطرة عليه، هذه الإنفلونزا وضعها مختلف لأنها أشبه بالإنفلونزا الموسمية؛ فمرة تأتي إلينا من الصين ومرة أخرى من أمريكا، وكل الغريب في هذا الفيروس أن حجم التغير فيه كبير جدًا، وهذا مغاير للإنفلونزا الموسمية فالعلماء اكتشفوا في تركيبته أنه يحتوى على تركيبة كبيرة من أنواع عدة من الفيروسات، فكان جديدًا عليهم في أوروبا وأمريكا فأمات أناسًا وأحيا آخرين الى أن بدءوا في تصنيع لقاح له.
العقار الأمريكى :
* وفي ظل الأزمة الصحية العالمية الناتجة عن وبائية فيروس إنفلونزا الخنازير واقتصار العلاج الدوائي على عقار التاميفلو هل هناك عقار خاص به؟
** بالفعل تم تصنيع الفاكسين الخاص بالفيروس سريع الانتشار من خلال الـ”CDC” في مستشفى سان جورج بمدينة مينفس بالولايات المتحدة؛ حيث تم عزل الفيروس وتم تصنيع الفاكسين الخاص به، وتم إرساله للشركات المنتجة وبدأت في عمل كميات كبيرة منه.
* علمنا أن مصر لم تتقدم لحجز جرعات من هذا العقار.. لماذا؟
** لا أعرف.. وليس لدى سبب محدد.
تعثر :
* وماذا عن إمكانية تصنيع عقار مصري لإنفلونزا الخنازير على غرار مصل إنفلونزا الطيور الذي قمتم باختراعه من قبل؟
** اختراع مصل خاص بفيروس إنفلونزا الخنازير ليس بالصعوبة التي تصورها أجهزة الإعلام، ولكنه مرتبط برغبة الأجهزة السيادية، وهو ما يعانيه مشروع لقاح إنفلونزا الطيور الذي توصل إليه المركز القومي للبحوث مؤخرًا من عثرات إدارية وفنية، الأمر الذي قد يؤدي إلى كارثة بشرية مصر في غنى عنها.
ولأن لسان حال المسئولين في مصر أن إنفلونزا الخنازير حتى الآن لا تشكل مشكلة كبيرة في مصر، وأن الأمور لا تزال تحت السيطرة عكس الحال في إنفلونزا الطيور التي توطنت بمصر منذ 2006م.
إنفلونزا الخنازير أثارت الرعب في دول العالم
* ولماذا تكمن الخطورة في مصر تحديدًا رغم انتشار إنفلونزا الخنازير بدول كثيرة حول العالم؟
** المشكلة تكمن في أن مصر يتوطن بها فيروس إنفلونزا الطيور شديد الضراوة، وأن الحديث عن ازدواجه بنظيره بالخنازير سينتج عنه فيروس ثالث يصعب مواجهته ينتقل بين البشر، وهو الأمر الذي عكسه الاهتمام العالمي بحالة مصر على وجه الخصوص، وألا تكون مصر نقطة انطلاق لذلك الفيروس المهجن الجديد، لا يمكن معرفة شكله أو صفاته إلا بعد فترة طويلة.
* ما هي المعوقات الرئيسية التي تواجه تصنيع اللقاح المضاد لإنفلونزا الخنازير؟
** المشكلة الرئيسة تكمن في إصرار وزارة الصحة على الاحتفاظ بعينة الفيروس دون إبداء أسباب؛ وهو ما قد يضطرنا إلى استيراد كميات هائلة من الخارج من عقار التاميفلو أو العقار الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة والذي بدأت بالفعل في إنتاجه.
* وما هي الفترة الزمنية المتوقعة لإنتاج اللقاح؟
** تصنيع لقاح لإنفلونزا الخنازير لا يشكِّل أزمة فنحن قادرون خلال 5 أو 6 شهور، ولكن الأمر يتوقف كما قلت سابقًا على إرادة الدولة على تصنيع اللقاح وبناء خطوط الإنتاج له، ولكن لو استمر الوضع كما هو عليه سنصنعه بعد 6 أو 9 سنوات.
من المسئول :
* وما هي الجهة التي ستقوم على إنشاء هذا المصنع وتجهيز خطوط الإنتاج؟
** من السابق لأوانه التحدث عن الجهة المعنية بإنتاجه، ولكن نستطيع القول بأنها ستكون تابعة لجهة حكومية أو نصف حكومية.
* وما الفرق بين اللقاح والمصل؟
** أولاً هناك فرق بين اللقاح والمصل؛ فاللقاح يؤخذ للوقاية للإنسان والطيور قبل الإصابة من أي فيروس، أما المصل يؤخذ بعد حدوث الإصابة.
توقف مريب :
عقار التاميفلو الوحيد المتوافر لعلاج إنفلونزا الخنازير
* وما آخر التطورات الخاصة بمشروع تصنيع المصل الخاص بفيروس إنفلونزا الطيور؟
** الأمور متوقفة حتى الآن رغم انتهائنا من إنتاج اللقاح أوائل العام الماضي؛ بسبب صعوبات إدارية وعدم اكتمال خطوط الإنتاج.
* وما الفرق بين عقار التاميفلو المتداول واللقاح الذي قام المركز القومي للبحوث بتصنيعه؟
** كان اللقاح المصنع مفاجأة للمنتجين في مصر، ولم يكن هناك خطوط إنتاج قبل ذلك لتصنيعه، وبالطبع السلالة غير متشابهة مع السلالات التي نقوم باستيرادها، بالإضافة إلى أنها أرخص بكثير، كما أنه أكثر فاعلية من كل اللقاحات المستوردة الموجودة حاليًا في الأسواق المصرية؛، حيث أظهرت نتائج الأبحاث أن فاعليته تصل إلى ثلاثة أضعاف أجود اللقاحات المستوردة, كما يتميز برخص ثمنه، والأهم من ذلك أننا أصبح لدينا تكنولوجيا مصرية لتحضير لقاح فيروس إنفلونزا الطيور؛ وهو ما يجعلنا مستعدين في أي وقت لتحضير لقاح آخر بشكل سريع إذا تحور الفيروس، وهو ما يحدث فعليًّا بشكل متكرر.
* هل هذا دليل على وجود مؤامرة لإجهاض المصل الذي قمتم باختراعه؟
** لا أستطيع أن أقول هناك مؤامرة دون توافر أدلة؛ لعدم وجود مستندات أو أوراق تثبت ذلك، وإن كان الوضع العام يشير إلى شيء غير طبيعي .
خبرات :
* ولكن بعد مرور كل هذه الفترة على تصنيع لقاح إنفلونزا الطيور وتحور الفيروس بشكل سريع من وقت لآخر هل ما زال اللقاح صالحًا للمعالجة؟
** بالطبع لن يكون صالحًا، ولكننا مع كل تحور نقوم بعمل سلالة جديدة، ولكن على صعيد آخر استفدنا من تدريب الباحثين على سهولة وسرعة إنتاج السلالات.
* لماذا هذا البطء في الحركة؟
** ليس بطئًا فنحن حققنا إنجازًا، ولكننا وللأسف لا نعمل سويًّا في ظل منظمة واحدة بيد واحدة فكل جهة تعمل في واد.
* انتشار العديد من الأوبئة في هذا الوقت تحديدًا هل له مدلول أو سبب معين؟
** الأوبئة في الفترة الأخيرة انتشرت بشكل عالمي وبتوسع شديد، ولكن هذا تطور طبيعي فقبل الإنفلونزا كان يوجد السارس، وقبلها كان لدينا الإيدز فهذه الأوبئة تظهر بشكل تلقائي بمرور فترات قصيرة على البشرية، وهذا يرجع إلى سوء إدارة الكثافة السكانية وسهولة التنقل عبر القارات فمن الممكن أن شخصًا في مصر يحمل فيروسًا ما، وبعد ساعتين يكون في أوروبا يعطس عطستين فبالتالي يوصلهم الفيروس في الحال فحركة الطيران أصبحت سريعة، والعالم أجمع أصبح بلدًا واحدة، ولا نستطيع بالطبع توقيف حركة التنقل ولكن الأهم في مراعاة التقنيات وجودة الرقابة الفعالة، ومن حسن الحظ لدينا في مصر امتلاكنا لخبرات وقدرات عالية جدًا؛ مما تسهل إيجاد لقاح مضاد ولكن الأهم البداية والنية وأخذ خطوات فعلية.
*وما دوركم كمركز للحد من تلك الأوبئة؟
** نحن كمركز قمنا بدورنا ففي إنفلونزا الطيور قمنا بأخذ الفيروس وتحليله وقمنا بتصنيع لقاح له، ولم يكن موجودًا لدينا من قبل، ونحن بهذا قمنا بمهمتنا التي لن تستطيع أية جهة أداءها غيرنا، أما إنفلونزا الخنازير فكما ذكرنا أن العينة لدى وزارة الصحة، وحتى نحصل عليها ستحتاج جهدًا وفترة طويلة.