[pj-news-ticker]
ÇáÕÝÍÉ ÇáÑÆíÓíÉ
ãáÝÇÊ ÝÓÇÏ
ÍæÇÏË æÞÖÇíÇ
ÇáÏíä ÇáäÕíÍÉ
ÓæÞ ÇáÞÑÇÁ
Ýä æäÌæã
ÑíÇÖÉ
ÇÏÈ æËÞÇÝÉ
ÇáãÑÇå æÇáãÌÊãÚ
ÎÏãÇÊ ÞÇäæäíÉ
ÇÈäì äÝÓß
EGYPT WEATHER

صوت المواطن
تجمعات سكنية تتداخل مع المقابر بدرجة يصعب معها الفصل بين هذه التجمعات والجبانات. بعد اختراقها ستصل إلي الموتي الذين يسكنون مع الأموات.

«المدفونين بالحيا»، حسب وصفهم، لم يجدوا أمامهم خياراً سوي الحياة جوار الموتي، تجدهم وقد تحصنوا بالحيطان القديمة لأحواش المدافن، يعيشون حياة أقل ما توصف به أنها عذاب يمتد علي مدار اليوم بحثا عن أبسط حقوقهم: كوب ماء نظيف، و٣ وجبات تصلح لإكساب أجسادهم الحياة إلي اليوم التالي. «المصري اليوم» قضت يوما آخر مع سكان «ترب الغفير».. ترصد تفاصيله في الحلقة الثانية من ملف المقابر.

كادت سخونة الأرض من حرارة الشمس تأكل قدمي «برنسة حسن» الحافيتين، وهي تدفع الطريق أمامها وصولاً لأحد أحواش «ترب الغفير».

زهر الصبار علي جانبي المسافة بين حوش المدفن وإحدي غرفه الأربع التي تسكنها منذ قرابة ٤٨ عاماً، علي حصيرة تغطي سطح مقبرة مفتوحة، جلست في ثوبها المترب تحصي حصيلة يومها من الصدقات.

رمتنا بنظرة متوجسة، وهي تحكم طرف طرحتها السوداء علي القليل من النقود التي جمعتها، بينما ألقت بالخبز والفاكهة في مقطف «خوص» متهالك قبل أن تدفع به إلي «طاقة» من الطين تحتل أحد أركان غرفتها. دكت الباب بلوح من الخشب واستعدت لرحلة الخوف اليومية وهي تردد «الله يسهلك يا ست ويستر عرضك سبيني في حالي» قالتها ليلف المكان بعدها صمت رهيب.

صوت الأطفال المتجمعين في شارع الملك أحمد المظفر ارتفع فجأة، والحياة دبت في أوصال الشارع الشهير، ما إن انتشر خبر وجود «طلعة» في أحد الأحواش. بعض الأطفال وقد اتخذوا من حوائط المدافن القديمة مسنداً تركوها علي الفور وانطلقوا تجاه الحوش في حين لم تمنع حرارة الشمس الحارقة بعضهم الآخر من استكمال اللعب. أحمد طلعت ترك خيوط طائرته الورقية تتشابك وأبراج الحمام التي تقع فوق بعض المنازل المجاورة، وفضل الفوز ببعض من النقود والخبز التي يوزعها الزائرون، وقبل أن تبتلعه مساحة الشارع الواسع اصطدمت قدماه بعصا عمي خميس الذي بادره بالسؤال: الطلعة في حوش مين؟

عم خميس الذي اعتقد أننا حكومة في بداية الأمر أقسم أنه لم يذق طعم الخبز منذ أيام وأنه وجميع سكان المقابر «علي باب الله» ينتظرون المواسم والأعياد التي كثيراً ما تمر دون الفوز بثمن كيلو لحم.. هكذا قال وانطلق هو الآخر تعرقل خطواته الأدوات المنزلية المتناثرة علي جانبي الشارع في انتظار أن يحصل أصحابها علي مكان للسكن.

إحدي العجائز الجالسات علي المصاطب خارج الأحواش في انتظار عودة الأبناء بما جلبوه من صدقات، ووجهها يعلوه التراب سألت: إنتو من المحافظة؟ سميحة إمام التي همت بالرحيل وتركتنا وأغلقت علي نفسها باب غرفتها قالت: ما تسيبونا في حالنا.. حياتنا وراضيين بيها ومتقلبوش علينا الدنيا من غير فايدة.

السيدات المتزاحمات علي حنفية للمياه العمومية استقبلننا بثورة عارمة، نعيمة أحمد طلبة وهي مازالت تتشبث بسور الحنفية المهدم قالت: «مدفونين بالحيا بس حتقدروا تعملوا حاجة»، وبينما تحاول – رغم الزحام – أن تتجاوز الصفوف أضافت قائلة: ٣ أيام والميه مقطوعة ولا حد اتحرك، وأشارت بأصبعها إلي حنفية غطاها الصدأ كانت علي جانب الحنفية العمومية وهي تقول «التربية» قفلوها بتعليمات من المحافظة.

العطش قدر أماني فتحي عبدالرحمن فكل يوم تبحث عن المياه ولا تجدها وتضطر لحملها من الإمام الليثي «يرضي مين ده».. هكذا قالت واتخذت طريقها عبر أحد المداخل الضيقة والمجاورة للحنفية التي انقطعت عنها المياه فجأة.. أماني حمدت الله علي نصف جركن المياه الذي فازت به بعد معاناة وقالت قبل أن تصطحبنا إلي مقر مسكنها: «لو كانت علي المية بس كانت تهون».

سرير حديد متهالك يعلوه بعض من الملابس البالية يتوسط الكشك الصفيح الذي كونته أماني قطعة قطعة من الحديد الخردة، هكذا قالت وأقسمت أنها وفرت ثمن هذا الكشك من قوتها وقوت أولادها فقط لتوفر الحماية التي تفتقدها وكل من اضطرته الظروف للسكن في المقابر.

السيدة التي تسابق الزمن دون بلوغها ٨٥ عاماً أشارت إلي حوائط المدفن التي تحيط بكشكها الصفيح قائلة: أكثر من ٢٠ سنة وأنا أتحصن بهذه الحيطان القديمة لكنها بدأت تتساقط.

وعلي قطعة من القماش بجوار الكشك كانت آية عبدالله، إحدي بناتها الثلاث تقلب الخبز الناشف قالت: إنه حصيلة أسبوع من الصدقات، تركته في الهواء استعداداً لبيعه في سوق الجمعة وتساءلت: هل يكفي ثمنه للحصول علي سكن خارج المقابر؟ لم تتردد وهي تجيب: والله ولو بعد ٢٠ سنة.

حال نعيمة عبدالصمد لا يختلف كثيراً، غير أنها تري الحياة في المقابر متعة «لولا المشاكل التي نعانيها».. هكذا قالت، وأردفت كلامها بمزيد من التوضيح قائلة: هذا المكان بالنسبة لي عمري كله. واستكملت وهي تنظر إلي شجرة الكافور، التي تتوسط حوش المدفن الذي تسكنه: توليت أمر رعايتها منذ جئت مع عائلتي إلي هنا قادمة من الصعيد، وقتها كانت هذه الشجرة نبتة صغيرة وكبرت معي وتولي أبنائي أمر رعايتها وكذلك أحفادي، صعب أن أحرم من رائحتها، كما أنه من الصعب أن أترك هذا المدفن وأنا لا أدفع مقابل سكني فيه «لا أبيض ولا أسود»، فقد توارثته عن والدتي منذ أكثر من ٣٠ عاماً.

زوجها الذي جاء علي التو من عمله وأخذ ينادي «الشاي ياولاد معايا ضيوف» قال: الميتين أحسن من الأحياء ومنذ أن «جابني» الجوع من محافظة أسيوط في عام ١٩٦٥ وأنا أعرف أنني سأعيش وأبنائي الخمسة ميتين بالحيا لكن ذلك لن يجعلني أتخلي عن مسكني لأنه ببساطة مرتبط بعملي في المعمار وأهي ماشية ترميم تربة هنا، وتعلية أخري هناك.

شوارع ضيقة تسلمك لأخري، طرق ملتوية تنتهي بك أمام أحواش وقد تحولت إلي مساكن مجهزة بأحدث الأجهزة المنزلية. محمد صادق يمارس مهنته المتواضعة في ملء مواقد البوتاجاز الصغيرة يقول: اتخذت من هذه المهنة وسيلة للكسب الحلال، أحضر أنابيب البوتاجاز الكبيرة مقابل ٥ جنيهات للواحدة وأقوم بتعبئة البوتاجازات الصغيرة مقابل ٣ جنيهات.

وأضاف: مثل هذه المهن مضمونة المكسب، فكل السكان يستخدمون البوتاجازات الصغيرة إن لم يكن في الطهي ففي الإنارة للأحواش المهجورة، التي يسكنها القادمون من الأرياف مقابل مبالغ مالية تتراوح من ٦٠ إلي ١٠٠ جنيه تدفع لـ«التربي» شهرياً، وأضاف: صعب أن أمارس هذه المهنة خارج المقابر لأنها ممنوعة والمقابر ستر وغطا، لو سبتها أموات أنا وأولادي من الجوع.

فاطمة محمد بكير التي همت بلملمة «فرشة» الخضار التي تسترزق منها وانطلقت نحو حوشها الواسع المكون من ٤ غرف ودورة مياه قالت: في هذا المكان ولدت، وفيه قضيت ٥٥ عاماً من عمري.. بعدما توارثته بعلم صاحبه الحاج عاشور أيوب عن والدي الذي توفي وترك مهمة رعايته لإخوتي الصبيان وهم الذين أوكلوني أمره بعد زواجهم خارج المقابر لأرعاه وأقوم علي تنظيفه بجانب بعض الأحواش الأخري التي يصل العائد منها أضعاف ما أكسبه من بيع الخضار الذي أشتريه من سوق العبور وأبيعه للسكان، هذا بجانب الصدقات التي نجمعها في المواسم والأعياد وإن كانت لا تذكر، نتيجة لفتاوي المشايخ بتحريم زيارة المقابر، التي أثرت علي عدد الزيارات وبالتالي علي الصدقات فلم يعد ينوبنا منها سوي القليل، لكن أهي بتنفع والمثل بيقول «نواية تسند الزير».

«زي السمك لو طلع من المية يموت»..قالها سيد شحاتة وهو يربط حمار عربته الكاور بأحد أعمدة الإنارة وأضاف: «الحياة في المقابر غير كريمة بالمرة لكن حنعمل إيه ما هو إيه اللي رماك علي المر» وأشار إلي سرير طولة لا يتعدي ٨٠ سم كان علي رصيف الشارع وسط المدافن قائلاً: سرير زي ده ممكن يحمي حد من حرارة الشمس أو برد الشتاء القارس؟

عم فتحي صالح، صاحب السرير، وقد تناول طرف الحديث يقول: من الخشب والحجارة صنعت هذا السرير وعليه قضيت من عمري ٦٥ عاماً تزوجت وأنجبت ١٠ من الأولاد والبنات، والمشكلة أنني لم أجد لي مكاناً في المقابر حتي الآن فكل الأحواش مسكونة فاضطررت لأن أبني هذه العشة من الخشب أيضاً، وأشار إلي الجانب الآخر، عشة لا تتعدي مساحتها «متر في متر ونصف» بداخلها كانت زوجة عم فتحي وبناته الثلاث يفترشن الأرضية في مشهد أشبه بعلبة السردين لكن «ما باليد حيلة» هكذا قالت الزوجة.

علي بعد أمتار قليلة، كانت ليلي حسن، وقد اتخذت لها حوشاً يراه سكان المقابر هو الأفضل دون غيره من أحواش المدافن التي اتخذوها مساكن.

الأشجار تملأ أركان الحوش المكون من ٦ غرف جميعها مغلقة فيما عدا غرفة واحدة، حصيرة من البوص تغطي أرضية المدخل فيما يحتل أنتريه متهالك أحد الأركان يظلله سقف من عروق النخيل تعلوه تعريشة عنب، لكنه في النهاية «تربة» هكذا تقول ليلي، وتضيف :أكثر من ٨ أفراد محشورين في هذه الغرفة.

وتضيف: المعاناة الحقيقية التي نتعرض لها وقت مجيء «دفنة» جديدة، حيث يظل المدفن مفتوحاً للتهوية تنطلق منه رائحة فظيعة لأكثر من ٣ ساعات قبل قدوم أصحاب الحوش بالميت.

«نروح فين» جملة قالتها الجدة العجوز وهي جالسة علي كنبة قديمة وأضافت قائلة: بعلم أصحاب هذا الحوش سكنا فيه واستمرت الحياة لأكثر من ١٥ عاماً قبل أن نفاجأ بالورثة يرفعون قضية لطردنا منه، وأشارت إلي قطعة من الموكيت قديمة ينام عليها أحفادها قائلة «كوم لحم يناموا في الشارع ؟».

نعيمة رشاد وهي تغطي أرضية الحوش الذي تسكنه بمزيد من التراب قالت: ليست الأحكام القضائية الصادرة بطردنا المشكلة الوحيدة التي نواجهها، فهناك الكثير من المشكلات التي نعاني منها وأهمها الانهيارات المتوالية للمدافن، وأوضحت قائلة: هذه المشكلة بدأت نتيجة لتأثير المياه الجوفية التي اجتاحت المقابر بعد زلزال ٩٢ وأدت إلي حدوث العديد من الانخفاضات الأرضية التي واجهناها بالترميمات، ورغم أنها عملية مكلفة، إلا أن الانهيارات مستمرة، وشددت قائلة: أصحاب الحوش الذي توارثته عن أبي طالبوني بتحمل تكاليف ترميم المدفن بحجة أنني المسؤولة عما شمله من انهيارات، وقالت: صاحب الحوش قال لي بالحرف الواحد «تنطيط ولادك علي المدفن هده» وهددني بالطرد من الحوش ما لم أتحمل وحدي تكاليف ترميمه.

«نجيب فلوس منين» الكلام علي لسان أماني التي قالت وهي تساعد أختها في حمل التراب إلي المدفن: والله بموت من الخوف ألف مرة في اليوم وأنا أري راندا ومحمد ابني يخطوان علي أرضية المدفن وأنا أتخيل الأرضية وهي تسقط بهما.

السيدة التي لم تتجاوز من العمر الثلاثين عاماً تذكرت مشهد ترميم التربة العام الماضي، وقالت: رفات الموتي تم إخراجها من المدفن بالكامل ولا تتخيلوا الرعب الذي عشناه ونحن ننام بجوارها لحين إتمام عمليات الترميم التي استغرقت أكثر من ٣ أيام.

في غرفة من ٤ حيطان يعلوها سقف من العروق الخشب قضت فاطمة علي ٤٠ عاماً من عمرها، وتحكي.. ناس كتير خرجت من هنا وغيرهم سكن وأنا وأولادي مازلنا نعيش مقابل مبلغ ٦٠ جنيهاً أدفعها للتربي شهريا، لكن الكابوس أن صاحب الحوش يطالبنا بتركه واستكملت: لفيت الدنيا علي سكن بسعر مناسب، لكن الأسعار نار فتقدمت للمحافظة بطلب للحصول علي شقة في مساكن الإيواء وحدث أن تسلم موظف المحافظة الأوراق اللازمة، لكنه فاجأني بقيمة المبالغ المطلوب سدادها مقابل الحجز في الوحدات السكنية التي سيتم بناؤها للإخلاءات الإدارية العام المقبل، وقد تجاوزت ٥ آلاف جنيه وتساءلت: هو لو أنا معايا المبلغ ده أسكن في المقابر ليه؟ وكادت تبكي وهي تشير إلي صورة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر علقتها بأحد أركان غرفتها قائلة: أيامه كانت حلوة، لأنه كان مع الغلابة.. أما الآن فلنا الله.
تصريحات عديدة بالقضاء علي سكني القبور كظاهرة، كان منها تصريح محافظ القاهرة السابق بنقل المقابر من داخل القاهرة إلي المناطق الجديدة.. جميعها لم تنفذ، هذا ما أكده إبراهيم حسين أحد التربية ويسكن المقابر، وأضاف قائلا: كلام المسؤولين كتير وكله حبر علي ورق.. كثير من موظفي الشؤون الاجتماعية زارونا الأعوام السابقة وظنناهم يريدون حصر السكان استعداداً لتسكينهم بالوحدات التي سبق أن صرح بها المحافظ السابق وتزامنت مع إعلانه عن نقل المقابر خارج القاهرة،

وإلي الآن لم نر شيئاً وتكررت الزيارات وكذلك الوعود.. كان منها وعود أعضاء مجلس الشعب بنقلنا إلي الدراسة ومدينة والجملة التي يرددها أي مرشح بعد فوزه «نجحت بفلوسي» وشدد قائلا: المرشح كان بيلف علينا واحد واحد وبعد الانتخابات مبيكلفش خاطره ينزل من عربيته يشوف الناس اللي نجحته عايشة إزاي؟

إمام حسن إمام ألقي باللوم علي الحكومة قائلاً: إذا كانت عجزت عن توفير ولو غرفة واحدة لكل أسرة فعليها أن توفر الحماية لنا بدلاً من اتهامنا في معظم الجرائم التي تشهدها المقابر استنادا للنظرة السائدة أننا متسولون وخارجون عن القانون، ودعا المسؤولين لزيارة المقابر ليروا بأعينهم المأساة التي يعيشها الأهالي هناك.

By ADMIN

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ÊÍÞíÞÇÊ ÚÇãÉ
ÇáÚÞÇÑÇÊ ÇáãÚÑæÖå
æÙÇÆÝ ÎÇáíÉ
ÕæÊ ÝáÓØíä
ÇÓÑÇÑ ÇáßãÈíæÊÑ
ÃÖÝ ãÞÇáÇ
ãÞÇáÇÊ ÇáÞÑÇÁ
ÔßÇæì æãÞÊÑÍÇÊ
ÝÑíÞ ÇáÚãá
ÈÑÇãÌ ãÚÑÈÉ
ÇÊÕá ÈäÇ