لا صوت يعلو فوق صوت «السلاح والقوة» فى بحيرة المنزلة فى الدقهلية التى تحولت إلى إمبراطورية لـ «الخارجين عن القانون» وممارسة أعمال «البلطجة والصيد الممنوع والتنقيب عن الآثار وتجارة المخدرات»، وحماية مصالح «أصحاب النفوذ».
«المصرى اليوم» حاولت اكتشاف «البحيرة»، خاصة فى الحجر وكلية الشرطة وهما منطقتان، محظور المرور فيهما إلا بإذن «البلطجية» الذين لا يعرفون إلا لغة واحدة للتحذير هى طلقات النيران. فى «البحيرة» ممالك نفوذ أخرى، كما يسميها الصيادون، حيث تمت السيطرة على مئات الأفدنة، وأشهر ألقاب من بسطوا نفوذهم عليها هم: الرفاعى وأبوقمر والدعبسة وشلتوت والشوربجية والعجايبة والشلبى والريس والمنزلاوى والرضاونة، ويمتلك هؤلاء مناطق خاصة بهم لا يجوز لأحد الاقتراب منها ولا الصيد فيها إلا إذا دفع «المعلوم أو اقتسم السمك مناصفة معهم». وتبدأ التعديات داخل «البحيرة»
كما قال السيد السويركى، صياد، بإنشاء جزيرة فى المياه تبنى الحفارات سوراً من الطين حولها لتتحول إلى مملكة خاصة يحرسها بعض «البلطجية بالسلاح الآلى»، مشيراً إلى اكتفاء الحكومة بمطاردة صغار الصيادين.
وأضاف السيد الأدهم، صياد: «تسيطر على البحيرة مجموعة من الخارجين على القانون وظيفتهم حماية تعديات الكبار ولغتهم الوحيدة السلاح الآلى ولو حاول صياد فقير الصيد داخل الأماكن الخاصة بهم يتم إطلاق النار عليه، مما تسبب فى إصابة عشرات الصيادين، فيما يتم السماح لهم بالصيد بعد الرضوخ لمطالبهم، ومن يرفض فليس له مكان داخل البحيرة وعليه الصيد فى القنوات التى لا يتعدى اتساعها عدة أمتار».
وتابع الأدهم «الحكومة نفسها عجزت عن التصدى لهذه التعديات بسبب البلطجية واستخدام السلاح المخزن بكثرة داخل المنازل الموجودة داخل البحيرة وعليها أبراج مراقبة وحراسة ٢٤ ساعة لمراقبة المكان، ويتم إطلاق النار عشوائياً فى حالة محاولة أحد الاقتراب حتى ولو كانت الشرطة».
وقال أحمد الجبن، من أهالى المطرية، إن أسماء المعتدين على البحيرة والخارجين على القانون «معروفة للجميع» ولكن لا أحد يجرؤ على الاقتراب منهم ولا حتى الشرطة، لأن «لهم مصالح وعلاقات بشخصيات كبيرة ونواب بمجلس الشعب»، مؤكداً أن «البحيرة» تمثل مصدراً للثروة السريعة سواء من خلال صيد الذريعة فى منطقة البواغيز أو تجارة المخدرات والآثار خاصة فى منطقة تنيس وابن سلام.
وأضاف «الجبن» أو «الزعيم» كما يلقبه شباب المطرية أن المعتدين يجففون البحيرة نهاراً تحت سمع وبصر المسؤولين عن الثروة السمكية وشرطة المسطحات التى يوجد أمامها مقهى يجلس عليه عدد من «النضورجية» وظيفتهم نقل تحركات شرطة المسطحات لحظة بلحظة، ويصل أجر الواحد منهم فى اليوم إلى ٥٠٠ جنيه بالإضافة إلى أن داخل المسطحات نفسها يوجد أمناء شرطة ومخبرون وضباط، فى كثير من الأحيان يبلغون المعتدين عن موعد خروج الحملات فيختفون.
سعد فتح الله، صياد من بورسعيد، قال «ما نصطاده اليوم من بحيرة المنزلة لم يعد كافياً والحكومة اقتطعت جزءاً كبيراً منها للمشروعات العامة مثل ترعة السلام ومشروع توصيل الغاز إلى إسرائيل، بينما نحن لا نجد قوت يومنا والبعض اتجه للعمل مع تجار المخدرات والآثار.
وقال العربى حجازى، صياد «قلة الرزق والإرهاب دفعانا إلى هجرة البحيرة ومن خمس سنوات غرق ٤٥ صياداً من المطرية فى مركب أبوالفوارس الدمياطى فى السويس وتركوا وراءهم أرامل وأطفالاً أيتاماً».
وقال عبدالعليم جلال، صانع مراكب صيد: تتعرض صناعة سفن الصيد فى المنزلة للكساد، بسبب هجر الأجيال الجديدة لمهنة الصيد ولجوء البعض إلى الصيد بالمواتير رغم مخالفته القانون. مأساة أخرى تعيشها أسرة الضحية محمد أحمد النجدى ٢١ سنة، يرويها أصدقاؤه، الذين أكدوا أنه قبل نحو عام خرج كعادته للصيد فخرج عليه بلطجية من البحيرة وهددوه بالسلاح الآلى ورفض تسليمهم اللانش الذى كان يقله، وأثناء محاولة هروبه استقرت إحدى الرصاصات التى أطلقها البلطجية فى بطنه ومات فى الحال وتقدم عدد من الصيادين إلى الشرطة للإدلاء بشهاداتهم بالواقعة وتم القبض على أحد الجناة ولايزال الباقون هاربين حتى الآن.
يعانى صيادو بحيرة المنزلة من مخاطر عديدة تهدد حياتهم بخلاف السلاح والبلطجية فهى «تئن» من التلوث على حد قول الدكتور أحمد على راشد، من مركز بحوث المياه فى المحافظة، مؤكداً أنها تستقبل نحو ٢ مليون متر مكعب يومياً من الصرف الصحى غير المعالج من خلال مصرف بحر البقر الخاص بصرف ٥ محافظات هى: القاهرة الكبرى والقليوبية والشرقية وبورسعيد والإسماعيلية ويعد هذا المصرف من أكبر المصارف تلوثاً على مستوى الجمهورية. وأضاف راشد أن الأسماك الموجودة فى بحيرة المنزلة تتغذى على مياه ملوثة بالفيروسات والبكتريا البرازية والقولونية والمعوية، بالإضافة إلى تركيز نسبة عالية من الملوثات فى منطقة الخياشيم والكبد وبالتالى يحتوى لحمها على نسبة من الملوثات تنتقل إلى الإنسان عن طريق الطعام، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الأمراض خاصة الكبد الوبائى والفشل الكلوى والبلهارسيا والبكتيريا، بين الأهالى، ويزيد انتشارها بين الصيادين بسبب تعاملهم المباشر مع المياه الملوثة، رغم ارتدائهم الأقنعة أثناء الصيد ونزول البحيرة، لأنها تحمى العينين والفم من دخول الشوائب ولا تحمى الجلد من امتصاص الملوثات.
لافتاً إلى أن مشروع محطة المعالجة البيولوجية على بحيرة المنزلة يحاول تنقية جزء من مياه مصرف بحر البقر وهو يعالج ٢٥ ألف متر مكعب يومياً، ولكنها لا تكفى للقضاء على ملوثات المصرف، الذى يصب مباشرة فى البحيرة. فى قلب البحيرة لافتة كتب عليها «محمية أشتون الجميل وجزيرة تنيس» وهى تتبع وزارة البيئة، يشرف عليها موظف من الوزارة، بالإضافة لمنطقة تل ابن سلام وهى منطقة أثرية تقع أسفلها مدينة تنيس عاصمة الإقليم الرابع عند الفتح الإسلامى، التى تحولت حديثاً إلى «عاصمة» لتجار الآثار حيث تجرى أعمال تنقيب غير شرعية ولا يحرس المنطقة سوى خفير وابنه منعانا من دخول التل خوفاً من اعتداء تجار الآثار علينا وعلى التل، فيما وجدنا مكاناً قذراً لم يدخله أحد منذ سنوات ومكتوباً عليه استراحة خاصة بهيئة الآثار المصرية.
مصادر أمنية أكدت أن مشاكل البحيرة سببها عدم وجود جهة وحيدة مسؤولة عن الأمن فيها حيث تتنازع ٣ محافظات إدارتها، بالإضافة إلى عدم وجود تنسيق فيما بينها لمواجهة الخارجين على القانون وضعف إمكانات شرطة المسطحات، التى لا يمكنها أن تقوم بكل شىء بنفسها.
فمسؤوليتها تنحصر فى تأمين معدات الثروة السمكية عند إزالة التعديات وليس تنفيذ الإزالة، بينما إمكانات الثروة السمكية لا تكفى، مشيراً إلى أن الحل الأمثل هو تطهير البحيرة وفتح البواغيز لدخول المياه المالحة مما يؤدى إلى موت ورد النيل والحشائش وإعادة مسطحها المائى المفتوح، ووقتها يمكن التصدى للتعديات والخارجين على القانون.
وأشار المصدر إلى أن القانون ضعيف فى مواجهة المعتدين وقال: «كلما ضبطنا حفاراً أو معتدياً يعرض على النيابة ويخلى سبيله فوراً ويسترد المعدات ويعاود نشاطه بعدها مخرجاً لسانه للقانون».
من جانبه قال المهندس أكرم حاتم، مسؤول الثروة السمكية فى بحيرة المنزلة فى اجتماع لجنة تطوير البحيرة الأخير الذى عقد برئاسة اللواء سمير سلام محافظ الدقهلية إن أكثر من ٥٠ قرار إزالة صدر للتعديات لم ينفذ، بسبب عدم الانتهاء من الدراسات الأمنية، مشيراً إلى ضعف إمكانات الثروة السمكية فى مواجهة التعديات وبدء أعمال التطهير، إذ لا يوجد سوى ٦ حفارات دون شفاطات مما زاد نسبة الإطماء بها (وهو ترسيب الطمى وسد البوغاز)
قائلاً «لا توجد سوى فى بحيرة البردويل وتكلفة الحفار الواحد ١٢ مليون جنيه».