حينما يبدأ عدد من المعلمين والإداريين وأولياء الأمور والطلاب فى تفويض أمين حركة “معلمون بلا نقابة” حسن العيسوى لجمع توقيعاتهم على بيان عزل الدكتور يسرى الجمل من منصبه كوزير للتربية والتعليم، تمهيدا لإقامة دعوى قضائية أمام مجلس الدولة، فمعنى ذلك واضح، وهو أن الرجل الذى جاء للمنصب عام 2005 ضمن حكومة نظيف الثانية كمسئول عن التعليم ما قبل الجامعى فى مصر، لم يعد مرغوبا فى بقائه أكثر من ذلك.
وبرغم أن القانون ينص على أن رئيس الوزراء هو الشخص الوحيد الذى يملك الإبقاء على الوزير أو عزله من منصبه، لكن الواقع يقول بأن كرسى وزير التربية والتعليم اهتز بشدة تحت أقدام يسرى الجمل، لدرجة دفعت حركات المعلمين لإقامة العديد من الدعاوى القضائية ضد قراراته وسياساته انتهت بإطلاق الجمعية “اليورو أفروآسيوية” للمعلمين حملة لجمع مليون توقيع للإطاحة بالجمل من منصبه.
قد يظن البعض أنه من الصعب أن يجتمع مليون شخص على كراهية ورفض سياسات وزير بعينه، إلا أن الأمر يختلف كثيرا فى حالة الدكتور يسرى الجمل الذى يتجاوز عدد رافضيه المليون شخص بمراحل .. فهناك 560 ألف إدارى يصبون غضبهم على الجمل لأنه تجاهلهم أثناء تحديده الفئات المستحقة للكادر دون سبب مقنع حتى الآن، سوى أن قانون الكادر تم تفصيله للمعلم فقط.
ولم يعترف الجمل بهم كجزء من العملية التعليمية إلا بعد صدور توصية من لجنة التعليم فى 2008، تفيد بصرف بدل كادر لهم تحت مسمى “حافز إثابة” لم يحصلوا عليه حتى هذه اللحظة.. والآن يحاول يسرى الجمل تبرئة نفسه من تهمة إهدار الحقوق المالية للإداريين، ملقيا التهمة على الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية، بحسب فوزى عبد الفتاح رئيس لجنة تنسيق إضراب الإداريين.
المعلمون أيضا يكرهون سياسات الجمل..فـ 58 ألفا منهم رسبوا فى اختبار الكادر فى أغسطس الماضى رفض الجمل قبول التماساتهم التى قدموها للوزارة.. هؤلاء الراسبين أعلنوا سخطهم على امتحان “الجمل” لأنه لم يمنحهم تدريبا كافيا على الاختبار قبل خوضه، لذلك كان رسوبهم هو النتيجة الطبيعية لسياسات الوزير.
الناجحون فى الاختبار أيضا لم يكونوا أفضل حظا .. فقد تأخر صرف الزيادات المالية لاختبار الكادر لـ 780 ألف معلم ناجح لمدة 3 أشهر، فبعدما وعد الوزير من خلال قرار له ببدء الصرف فى 1 ديسمبر الماضى، انتظر المعلمون الزيادة المالية التى لم يحصلوا إلا على أجزاء منها بأثر رجعى مع مرتب شهر مارس.. أضف إلى ذلك أن أعدادا من المشرفين الاجتماعيين وبعض مدرسى المواد غير الأساسية فوجئوا بأنهم ليسوا ضمن الفئات المستحقة للكادر.
هذا إلى جانب 135 ألف معلم لم يخوضوا اختبار الكادر الماضى لاعتراضهم على ربط الوزير التسكين وصرف الأموال بخوض الاختبار، موجهين سؤالهم للوزير: ماهو مصير المعلم الذى يرسب فى الاختبار؟ هل يخرج غير مأسوف عليه من العملية التعليمية؟ تلك الأسئلة التى لم يجب عليها الوزير دفعت شبكة معلمى مصر إلى الخروج لأول مرة فى مظاهرات حاشدة أمام نقابة المعلمين ووزارة التربية والتعليم للمطالبة بإقالة الجمل من منصبه، مما دفعه للتراجع عن قراره بتأجيل اختبارهم إلى أغسطس 2009، معلنا عن تقديم موعده إلى 25 مايو المقبل.
وبعيدا عن العاملين فى التعليم فهناك أيضا 800 ألف طالب بمرحلتى الثانوية العامة تسببت حادثة تسريب امتحانات الثانوية العامة العام الماضى فى فقدانهم الثقة فى عدالة الاختبارات، لأنهم وجدوا أن زملاء لهم يدخلون لجان الامتحان بأوراق الإجابة وآخرين تصلهم أوراق الإجابة بنظام التوصيل للجان الخاصة بالمستشفيات.
الجمل لم يكتف بخلق أعداء له من داخل العملية التعليمية بل عادى المجتمع بأسره بإعلانه عن مشروع الثانوية العامة الجديدة .. أحدث معارك الجمل المستمرة لتطوير التعليم – على حد قوله – والتى يقف فيها الجمل فى جبهة، بينما يقف فى الجبهة الأخرى خبراء التعليم والتربويون الذين لم يأخذ الوزير رأيهم، ولو بشكل استشارى .. وأزمة الثانوية الجديدة، ليست فى سنتها الواحدة ذات الامتحانات الثلاثة التى أثارت القلق داخل الأسر المصرية، وإنما فى أن الجمل أظهر أنه أول من لا يؤمن بها بقوله، «واقعيا لا مدارسنا ولا معلمينا ولا مناهجنا تصلح لهذا النظام الجديد»..
إذا كان الجمل غير واثق من نجاح مشروعه، فكيف يعتمده مجلس الوزراء ومن بعده مجلس الشعب.. وقبل الاثنين كيف تضع به الأسر المصرية ثقتها؟!.. بالفعل هذا ما حدث فلم يكن الجمل يتوقع أن أحدث مشروعاته سيقف فجأة، بعدما طلب منه مجلس الوزراء إعادة صياغة المشروع من البداية، مع إزالة كل البنود التى تثير اللغط داخل الأسر المصرية.
فى عهد الجمل تتحول كل مشكلة صغيرة داخل أى مدرسة إلى أزمة يعجز الوزير عن حلها، وتشهد على ذلك أزمة مدرسة طلاب”آفاق الأمريكية” التى رفض الوزير انتقال 3 طلاب بها من مرحلة التعليم التمهيدى إلى المرحلة الابتدائية لعدم تجاوزهم السن القانونية للانتقال إلى المرحلة التالية بأيام قليلة، مما دفع أولياء أمور الطلاب إلى اللجوء لمحكمة القضاء الإدارى لإلغاء قرار الجمل فى واقعة تطرح علامات استفهام حول قدرة وزير لا يستطيع حل مشكلة 3 طلاب على إصلاح أحوال التعليم المصرى.