تحولت شركة لافارج الفرنسية (المصرية للأسمنت سابقا) بالسويس إلى ما يشبه الثكنة العسكرية بعد أن قررت الإدارة فصل رئيس لجنة العمال إبراهيم عبداللطيف بتهمة التحريض على الإضراب!!. الإدارة تخشى من رد فعل 1200 عامل، وتشيع حالة من الرعب وسطهم، والعمال من جهتهم يؤكدون أنهم لن يتخلوا عن حقوقهم التى تهدرها لافارج منذ أن اشترت الشركة عام 2007، ولا عن زميلهم المفصول غدراً.
والشركة الفرنسية لمن لا يعلم هى أكبر شركة فى العالم لصناعة الأسمنت، ولها فروع فى 75 دولة من مختلف قارات العالم ويعمل فيها 77 ألف عامل فى فروع الإنتاج المتعلقة بالبناء، وتسيطر على حصة محترمة من سوق الأسمنت المصرى وتقوم هى وعدد من الشركات الكبرى فى مجال الأسمنت برفع سعره فى السوق فى اجتماعات مغلقة يشهدها فندق الفور سيزونز، ولا عزاء لمحدودى الدخل.
“العربي” التقت بعدد من العاملين الذين رفضوا ذكر أسمائهم خشية من بطش الإدارة.. ويقول “س.م”: على الفور بدأت الإدارة الجديدة فى تصفية العاملين المصابين والمرضى والمطالبين بحقوق العاملين وفصلهم بدون سابق إنذار. ويضيف: ونظرا لأن الشركة فرنسية، فالإدارة المصرية تلوح بأن لا احد فى مصر يستطيع التدخل فى شئونها، وأنها مسنودة من “ناس كبار قوي”، ومؤخرا تم تعيين لواء شرطه سابق، ومستشار قانونى لتنفيذ سياستها فى فصل العاملين. ومن جهته يقول إبراهيم عبداللطيف رئيس لجنة العمال المنتخب: أبلغ دليل على ذلك قرار فصلى الصادر فى نهاية الشهر المنصرم بالمخالفة لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وبالتحديد فى البندين الثالث والرابع من المادة 120 اللذين يمنعان فصل أى ممثل للعاملين أو أى عامل قدم شكوى فى رئيس الشركة بسبب عدم تنفيذ اللوائح والقوانين ولكن السلطة والمال كان لهما رأى آخر. ويضيف إبراهيم بعد قرار فصلى تحولت الشركة إلى ثكنة العسكرية وبات ممنوعا على أى عامل أن يتكلم مع الآخر، وإلا سيتم فصله أو تحويله للتحقيق.
ويستكمل عامل آخر (ش.س) سرد مشوار المعاناة قائلا: وبعد شراء لافارج للشركة من أوراسكوم المصرية للأسمنت طالبنا بتشكيل نقابة لرعاية وحفظ حقوق العمال، فلم توافق الإدارة إلا على تشكيل لجنة عمالية لا تتبع النقابة العامة للبناء والأخشاب لكيلا يكون لها أى صفة قانونية!.. ودخلنا بعدها فى مفاوضات شاقة من أجل الحصول على حقوقنا المنهوبة خاصة فى ظل الأرباح الجنونية التى يتم جنيها سنويا. وتلخصت مطالبنا في: زيادة الحافز وربطه بالإنتاج أسوة بالشركات الأخري. وصرف الأرباح حسب القانون 8 لسنة 1997. وأخيرا: عمل لائحة للخروج على المعاش المبكر بدلا من منح العاملين تعويضات متفاوتة أو بالمزاج. فرفضت الشركة كل هذه المطالب، فلم يكن أمامنا سوى تنظيم اعتصام سلمى يومى 17 و18 نوفمبر الماضي، وحرصنا على عدم توقف الإنتاج، كما شكلنا لجنة لحماية المعدات من أى محاولة للتخريب.
ولكن هذه المطالبات لم تأت على هوى إدارة الشركة، كما يقول رئيس لجنة العمال، فلجأت إلى كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لإجهاض اعتصامنا، فقام جهاز أمن الدولة بإلقاء القبض على حيث تم احتجازى لمدة يومين، وهناك قاموا بحلق شعرى على “الزيرو”، ولكن اعتصام العمال أجبرهم على إطلاق سراحي. وهنا اضطرت إدارة الشركة لكى تتدخل مباشرة، لتقوم بتحرير محضر بالنيابة باتهامى وآخرين بتحريض العاملين على الاعتصام واحتجاز عدد من قيادات إدارة الشركة عنوة، ولكن النيابة قررت الإفراج عنى وعن زملائى من سرايا النيابة بدون أى ضمانات وحفظ القضية إداريا.
ويضيف: عندئذ لم تجد الإدارة مفرا من الرضوخ لمطالب العمال ووافقت على مضض على زيادة الحافز، ولكنها كانت تضمر من جهة أخرى رغبتها فى التخلص من القيادات العمالية التى انتخبها العمال لكى يعبروا عنهم. وبالفعل صدر قرار بعد مرور شهر تقريبا بفصلى مع اثنين من القيادات العمالية، وساومت اثنين منهم هما حمدى عبدالعاطي، وأيمن فريح على تقديم استقالتيهما مقابل الحصول على تعويضات مالية بدلا من مشوار المحاكم الطويل فوافقا. ولكنى صممت على موقفى ورفضت التوقيع على قرار الفصل، ولجأت للقضاء. ويتساءل عبداللطيف: تعاطف المصريون جميعا مع رجال الأعمال الملياردير ساويرس فى معركته مع الشركة الفرنسية التى كانت تريد شراء موبينيل، فهل تعاطف الصحفيين والإعلاميين والسياسيين يقتصر فقط على رجال الأعمال الكبار.. أم يمتد إلى العمال الذين يعانون الأمرين من المستثمرين الأجانب والعرب؟.
من جهته، قرر سيد طه رئيس النقابة العامة للبناء والأخشاب تقديم الدعم القانونى لعمال شركة لافارج الفرنسية، ويؤكد إبراهيم حسيب محامى النقابة العامة أن إدارة الشركة الفرنسية ضربت عرض الحائط بالقانون المصري.. ورفعت عاليا شعار: “نحن ملاك الأرض ومن عليها”.. “ونستطيع شراء الجميع بفلوسنا” مشددا على أن شركة لافارج خالفت بهذه الانتهاكات البشعة فى حق العمال المصريين الاتفاقية الدولية التى أبرمتها مع الاتحاد الدولى للبناء والأخشاب عام 2005 التى تضمن حق التنظيم النقابى لكافة عمال الشركة، وكذا ضمان العمل بشروط لائقة وبأجور معقولة. والأخطر ـ يقول إبراهيم ـ هو مخالفتها الصارخة للجزء التالى من الاتفاقية والذى ينص علي: “تعترف لافارج بأن هناك صلة بين التقدم الاجتماعى والتقدم الاقتصادي، وهى تلزم نفسها، بإشراك مستخدميها مباشرة فى مستقبل المجموعة من خلال حوار مفتوح، وتعترف بأن المستخدمين يختارون ممثليهم بواسطة مستخدمين منتخَبين وو منظمات نقابية”. وهكذا تعترف الشركة بحق العمال بانتخاب ممثليهم ولجان عمالهم فى كافة فروع الشركة، لا أن تقوم بفصلهم ودفعهم لتقديم استقالتهم. ويؤكد الاتفاق فى المقدمة أيضاً أن شركة لافارج تلتزم بـ: “الامتثال للقوانين المحلّية والدولية والمعايير..” التى تتعلق بالعمل وحرية التنظيم والأجر اللائق والتأمينات الاجتماعية وغيرها من الشروط والالتزام بالمواثيق الدولية والمعايير المتبعة فى منظمة العمل الدولية بهذا الخصوص. ويؤكد حسيب على أن الاتحاد الدولى لعمال البناء والأخشاب، الذى يضم فى عضويته 281 نقابة عمالية، من 125 دولة، تمثل 10.5 مليون عامل فى فرع البناء والأخشاب لن يقف متفرجا إزاء ما يجري.
ويقول سعود عمر القيادى العمالى بالسويس إن علاقات العمل فى الشركات الاستثمارية هى علاقات سخرة بامتياز.. حيث تضع الشركات الاستثمارية قانونها الخاص بها الذى لا يعترف بأى حقوق للعمال، وذلك فى ظل تواطؤ كامل من كافة أجهزة الدولة سواء الاتحاد العام للعمال أو وزارة القوى العاملة، مشيرا إلى أن المنطقة الاستثمارية فى السويس التى يوجد بها مئات المصانع.. لا يوجد بها سوى ثلاث لجان نقابية!!. ويؤكد سعود أن السلطة الإدارية تم تأميمها لصالح الشركات الكبري، ويضيف: نظرة واحدة لما جرى مع عمال شركة طنطا للكتان وعمال غزل شبين على يد المستثمرين السعودى والهندى تكفى وتزيد، داعيا فى الوقت ذاته إلى شن حملة تشترك فيها كافة القوى المهتمة بالعمال من أجل ردع الشركات الاستثمارية وحفظ كرامة العمال.
ومن جهته يقول عادل وليم مدير مؤسسة أولاد الأرض لحقوق الإنسان: السؤال اليوم موجه إلى وزير الاستثمار الذى يصر على بيع الصناعات الاستراتيجية كالأسمنت متجاهلا خطر الاحتكار الذى يكتوى بنيرانه فقراء هذا الوطن، وموجه قبل هذا وذاك إلى مجلس الوزراء وقيادات الرأى العام والصحفيين: أين كرامة العامل المصرى فى مواجهة الشركات الأجنبية.. ولماذا لا يجبروا الشركات الاحتكارية الكبرى على احترام القانون رغم أن الحكومة تقدم لهم أرضا لتقام عليها صناعات ملوثة للبيئة، باتت محظورة فى بلادهم لخطورتها على صحة السكان والعمال، بالإضافة إلى يد عاملة هى الأقل أجرا فى المنطقة العربية. وطالب وليم وزيرة القوى العاملة بالتدخل لإجبار الشركة الفرنسية على احترام القانون المصرى وإعادة العامل المفصول إلى عمله، وحماية العاملين بالشركة من توحش لافارج التى تصورت أنها اشترت الأرض ومن عليها.