على الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية لعدد أطفال الشوارع في مصر، إلا أن التقديرات تشير إلى وجود ما بين الـ 200 ألف ومليون طفل مشرد، ربعهم دون سن الثالثة عشرة.
والحكومة ليست غافلة عن وجود المشكلة، وتحديدا الجرائم التي تتعرض لها فتيات الشوارع، فقد أظهر مسح أجرته الحكومة العام الماضي أن نصف بنات الشوارع في مصر يمارسن الجنس وأن نسبة 45 بالمائة منهن يتعرضن للاغتصاب، وإن كان المطلعون على هذا الملف يرون أن الأعداد أكبر من ذلك بكثير.
وكانت جنوب القاهرة قد أصدرت في الثالث والعشرين من شهر مايو الماضي حكماً بالإعدام بحق اثنين من زعماء عصابة اعترفا بقتل واغتصاب 20 من أطفال الشوارع في كافة أنحاء البلاد.
بنات الشوارع والاغتصاب – إن الاعتداء الجنسي هو ألف باء هذه الظاهرة، ولكن ليست فتيات الشوارع وحدهن من يتعرضن له، بل الأولاد الذكور أيضا
سهام ابراهيم، مديرة مؤسسة “طفولتي” لمساعدة المشردين
يقول المعنيون بشأن بنات الشوارع في مصر إن الاغتصاب هو أول أمر يحدث للفتاة عندما تجد نفسها مرمية على الرصيف، وإن العودة إلى المنزل تصبح أمراً عسيراً بالنسبة للضحية بعد تعرضها للاغتصاب.
وتشير دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر إلى أن مدينة القاهرة هي أكثر المدن المصرية التي ينتشر فيها المشردون، حيث تأوي في شوارعها 31.6% من المشردين في البلاد، تليها محافظة بورسعيد بنسبة 16.8%، بينما تقل النسب في مدن ومحافظات الجنوب.
وتضيف الدراسة أن الغالبية العظمى من الأطفال المشردين هي من الذكور، إذ تبلغ نسبتهم بنسبة 92%، بينما لم تتجاوز نسبة تشرد الأطفال من الإناث نسبة 8% من إجمالي حالات التشرد في مصر حيث تفرض أساليب التنشئة والتربية على الإناث أن يكن أكثر ارتباطا بالعائلة واعتمادا على الأسرة، وأكثر استسلاما للظروف مقارنة بالذكور.
لكن مهما تكن النسبة ضئيلة، فربما تكون معاناة بنات الشوارع من المشردين أكبر بكثير، نظراً للظروف القاسية التي يفرضها عليهن الاغتصاب ومصاعب الحمل والولادة ونكران المجتمع لهن، ناهيك عن البرد والجوع والألم.
فهذه نورا، وهي فتاة من محافظة الغربية وجدت نفسها فجأة أمَّاً في سن الرابعة عشرة من عمرها، راحت تمسك بمجموعة من المفاتيح القديمة وتجلجلها وتخشخشها فوق رأس طفلتها الرضيع التي حملتها أشهراً تسعاً في أحشائها رغم أنها تعيش مشردة في شوارع القاهرة بعد أن تركت الغربية ، لعلها تنتزع ابتسامة واحدة منها تضيئ بها عتمة حياتها المليئة بالقهر والجوع والحرمان والاستغلال الجنسي.
وبينما أخذت الطفلة الصغيرة شيماء تعبث بخف أمها المهترئة، راحت نورا تصف لجريدة الرأى الحر كيف أنها فضلت الممارسة القسرية للجنس في الشوارع في سن مبكرة على حياة الذل والقهر حيث كان أخوتها يضربونها ضربا مبرحا في سن السادسة أو السابعة من عمرها.
تقول نورا عن طبيعة الرجال الذين تجبر على ممارسة الجنس معهم: “هؤلاء الرجال لا يفرقون، فهم لا يعبأون إن كنت صغيرة أم كبيرة. لقد خطفوني.”
حياة نورا مثلها مثل حياة ياسمين وأماني وماجدة وإلهام وغيرهن مئات آلاف الأطفال المصريين الآخرين الذين تقول الأمم المتحدة إنهم يعيشون مشردين في شوارع مصر، من بينهم أعداد متزايدة من الفتيات اللائي يجدن أنفسهن بلا مأوى أو رعاية ليصبحن عرضة لصنوف شتى من الاستغلال والجريمة وبعضهن لمَّا يتجاوز بعد سن الرابعة أو الخامسة من العمر.
تقول ياسمين، وهي إحدى فتيات الشوارع اللواتي تعرضن للاغتصاب، وقد أخذت أصابعها ترتجف وهي تضغط على طرف غطاء رأسها ذي اللون الزهري:”لقد اختطفوني وأبقوني عندهم أربعة أيام… لقد كانوا ثمانية (رجال). لقد أحاطونا بالكلاب ولم يكن بوسعنا أن نهرب. ولكن عندما أحضروا فتيات أخريات، تركوننا وشأننا.”
وتضيف ياسمين إنها حاولت بعد حادثة اغتصابها العودة إلى دار لإيواء الأطفال، لكن القائمين على الدار لم يوافقوا على عودتها، الأمر الذي اضطرها إلى العودة إلى الشارع ثانية حيث تعرضت للاغتصاب وأرغمت على ممارسة الجنس فحملت بصبي قبل بتبنيه سجين مدان بجريمة سرقة.
أما ماجدة، وهي فتاة تبلغ من العمر إحدى عشر سنة وتقول عن نفسها إنها تعشق التحدث إلى الآخرين وترغب بتعلم رياضة الكاراتيه، فتروي كيف أن انفصال والديها وضرب جدتها المبرح لها فيما بعد هما اللذان قاداها إلى الشارع بعد ثلاث سنوات.
وتضيف: “كان الأمر سهلاً، إذ كنت أفترش الرصيف ليلاً… لقد كان هناك أشياء كنا نخشاها، إذ كنا نخاف الأولاد الذين يأتون إلينا في الليل.”
تقول ماجدة إنها استطاعت أن تدبر أمرها فيما بعد وتغادر الشوارع وتعثر على مأوى، وهي الآن تذهب إلى المدرسة وتخطط لبناء مستقبلها إذ تحلم بمتابعة دراستها في الجامعة.”
أما أماني، البالغة من العمر 15 عاما، فتقول إنها تعرضت للضرب بسبب أدائها في المدرسة فهربت مع صديق لها يعمل في ميناء الإسكندرية، ولكنه هجرها عندما نفدت منها النقود وأفلست.
أما بعد ذلك، تقول أماني: “فقد أتى رجل وهاجمني ولم يتركني فتاة كما كنت.”
وتضيف أنها اكتشفت فيما بعد بأنها حامل، وعلى الرغم من أنها فقدت جنينها، إلا انها لا زالت تخشى العودة إلى البيت.
تقول سهام ابراهيم، مديرة مؤسسة “طفولتي” التي تدير مأوى لبنات الشوارع في القاهرة:”إن الاعتداء الجنسي هو ألف باء هذه الظاهرة، ولكن ليست فتيات الشوارع وحدهن من يتعرضن له، بل الأولاد الذكور أيضاً.”
تضيف سهام إبراهيم أن بعض فتيات الشوارع، ممن إخترن حياة ممارسة الجنس وتعرضن مراراً للاغتصاب، أصبحن يتناولن حبوب مانع الحمل المتوافرة بكثرة في الصيدليات في مصر، وأن العديد منهن لا يحتفظن بأجنتهن في حال حملهن.
ولا يقتصر انتشار ظاهرة بنات الشوارع على المدن المصرية فقط، بل يمتد ليشمل البلدات والمناطق الريفية أيضا حيث تنام الفتيات المشردات على الأرصفة أو في الحدائق العامة أو تواجه خطر الاغتصاب أو يلجأن لوسائل أخرى كالمخدرات، علهن يجدن بذلك مهربا من الجوع والبرد والألم.
البعض من هذه الفتيات يلجأ لبيع أنواع من السلع والبضائع البسيطة كعلب المناديل (المحارم)، حيث يتنقلن بين السيارات والأزقة وتقاطعات الطرق لاصطياد زبائنهن.
تقول إلهام، البالغة من العمر إحدى عشرة ربيعا، إنها اضطرت، بعد انفصال والديها وتعذيب عمتها لها كيِّها بواسطة سيخ معدني ساخن، أن تمضي أسبوعا كاملا كانت تنام خلاله خارج مركز للشرطة حيث كانت تحصل على قوت يومها مما يقدمه لها رجال الشرطة في المركز من طعام.
والمشكلة العويصة التي تواجهها تلك الفتيات اللواتي يقررن خوض تجربة الحمل والولادة حتى النهاية هي عدم تمكنهن من الحصول على شهادات ميلاد لمواليدهن، فهن يلدن في الشوارع، وغالبا ما يكون الآباء مجهولين أو ينكرون أبوتهم لأطفالهم من تلك الفتيات.
تختتم ياسمين حديثها ونظرات الحزن بادية في عينيها:”ينظر الناس إلينا دوما بكره. أريد أن أقول للناس أن يغيروا أفكارهم نحونا.”