يا محاسن الصدف!!
هل أنا أحب ؟
هل ما أسمعه هو دقات القلب؟
هل أنت من انتظرته طوال الوقت؟
هذه الأسئلة كانت كل ما يشغل تفكيري منذ التقيته..
من أنا ومن هو؟؟..
أنا فتاة في السابعة عشر من عمري ؛ طالبة في المرحلة الثانوية تحديدا .. أدعى وسام .. ابنة لأسرة متدينة من الطبقة الميسورة ..
أما من هو..اسمه هاني ..شاب في العقد الثالث من عمره .. واحد وعشرون عام تحديدا .. وهو طالب بالسنة الثالثة في أحد المعاهد الخاصة التي تمنح شهادة عليا ؛ كنت أنا مثال للانضباط وكان هو مثال للرعونة و الطيش بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ..كان هاني صديق لإحدى صديقاتي وقد قابلناه صدفة أثناء خروجنا أحد الأيام من درس اللغة الإنجليزية .. عرفتني مروة صديقتي عليه و قد تلخص انطباعي الأول عنه في جملة صغيرة “مين ده؟! ده ولا ولاد البوابين يا بنتي!!” .. ويالها من مقابلة أولى فقد كان الأمر كما يقولون “من القلب للقلب رسول” فقد حمل قلب هاني لي من الامتعاض والضيق مثلما حمل قلبي له و لكن لا لسوء شكلي و إنما لما حواه شخصي من تميز .. فقد كان تعليق هاني عليْ لمروة ” ايه يا بنتي التناكة دي؟!” .. مماجعل مروة تخبره بتعليقي عليه.. ولكنها لم تذكر موضوع البوابين …
لم نلتقي بعدها لفترة من الزمن فيما يقارب الثلاثة أشهر ؛ ونسيت أنا أني قابلت شخص يدعى هاني ولكن هاني لم ينس أنه قابلني .. يا لعقلي .. نسيت أن أخبركم أنه أثناء المرحلة الثانوية ولشدة انضباطي أطلق عليْ أصدقائي والمحيطين بي لقب “الشويش” وقد اشتهرت بهذا اللقب ومثلما كانت لي شهرتي كان ل هاني هو الآخر شهرته ولكنها شهرة من نوع خاص ؛ فقد كان دنجوان مدرستي والمدارس المحيطة ..وقد كان ل هاني علاقات غرامية وحكايات متعددة مع طالبات من مدرستي والمدارس المجاورة مما أتاح له متابعة أخباري بشكل غير مباشر أو كما يقولون “من بعيد لبعيد” .. والعجيب أنه أخذ الأمر مع نفسه كنوع من أنواع التحدي .. فقد استفزه عدم اكتراثي له وتفوق شخصي وتفكيري عليه ودفعه ذلك طوال الثلاثة أشهر إلى جمع كل ما يستطيع من معلومات عني .. ما هي أحلامي؟وما هي طموحاتي؟.. ما أحب وما أكره .. حتى أنه كان يعلم أدق تفاصيل حياتي من صديقتي مروة والتي لم تكن على علم بما يدور بباله .. بالتأكيد تتساءلون عما جمعنا مرة أخرى وتلك كانت الصدفة الثانية في حكايتي .. ففي يوم رن جرس الهاتف فأجابت والدتي و إذا بها تصرخ “ما..ماذا حدث؟ في أي مستشفى؟ إحنا جايين حالاً” وأغلقت أمي سماعة الهاتف مهرولة للخروج .. فسارعت اسألها “في ايه يا ماما؟! إيه اللي حصل؟” فأجابتني “أبوكي في المستشفى .. بيقولوا عمل حادثة” .. فسارعنا بالذهاب لرؤية والدي وكانت الصاعقة حين رأيت وجه أبي بعد أن أخرجوه من غرفة العمليات …
لم يكن هذا أبي ولم يكن هذا وجهه المعهود .. قتلني أن أجد أبي الرجل القوي الشامخ يرقد ضعيف مكسور في فراش المرض وما زاد الأمر سوءاً في ذلك الوقت إحساس أبي بأنه يقضي آخر أيامه بيننا وبدوره انتقل لنا هذا القلق الشديد.. مما جعلني أشعر بأن ظهري انكسر و بأنني سأكون ضعيفة وحيدة .. وبدون إدراك بدأت ابحث عن شخص يكون لي سند بعد أبي ..وقد علم هاني بما حدث لوالدي وقرر أن يأخذ خطوته الأولى وبداية خطته .. رفع سماعة الهاتف و اتصل بي بعد أن أخذ رقم هاتفي من مروة طبعا .. اتصل بي وخاطبني و أبدى أسفه وعرض خدماته .. و قد لفت أسلوبه اللبق نظري فلم أعهد هذا الوجه في هاني .. فكل ما كنت اسمعه عنه من حكايات الطيش والنذالة والكبر خالف هذا الوجه الجديد وقد ساعده في ذلك ملائمة التوقيت وشعوري الدفين بالقلق تجاه مستقبلي الجديد .. المهم أن الاتصال أصبح سلسلة اتصالات .. على مدار أربعة أيام ؛ ثم جاءت الخطوة الثاني في خطة هاني .. طلب مقابلتي وكانت هذه أول مرة أقابل شاب وحدي .. وافقت على طلبه و خرجنا سوياً.. ذهبنا إلى أحد المقاهي المعروفة وجلسنا نتحدث فحاول هاني أن يمسك يدي .. ونظرا لحدة طباعي ضايقني هذا التصرف ثم توالت مضايقاته فأحسست بالضيق من شخصية هذا الشاب المستهترة .. فاتخذت قراراً داخلي بأني سوف انهض واتركه ..وقبل أن انهض سألته ” عمرك عرفت حد وندمت إنك عرفته؟”.. وطبعا كنت اقصده بسؤالي هذا .. ولكن ما غير مسار الأمر هو رده على سؤالي .. فقد أجابني بالإيجاب وبدأ يحكي عن حب سابق بحياته و أثناء كلامه ذكر جدته المتوفاه وهي التي ربته وعندها دمعت عيناه فأدار وجهه ليمسح دمعته .. وكانت تلك الدمعة هي ما أحال كرهي له حب وغضبي منه حنو عليه ولأول مرة أتوسم الخير به فمنذ رأيت هذه الدمعة أحببته..نعم أحببته و أصبح هو محور حياتي .. وقفت بجانبه طوال سنتين بكل ما فيهما من حلو ومر ؛ ثم فجأة هجر حياتي ولم يلقي لحبي له بالاً و لم أسمع عنه أو منه خبر ومرت علي ثلاثة أشهر كاملة و أنا على هذا الحال حتى أن رقم هاتفه الجوال لم يعد له وجود .. ومع انقضاء تلك الأشهر الثلاث كنت قد فقدت الأمل في أن أسمع منه خاصةً وأني اكتشفت مع الوقت أن حبي له هو حب من طرف واحد وأنه يحب فتاة أخرى غيري ولكن كان قد فات الأوان حينها على اتخاذ قرار بعدي عنه فقد كنت أحببته وانتهى الأمر .
مر الوقت ولعبت الصدفة دورها للمرة الثالثة حيث كنت عائدة من الجامعة و للحظ توقف الميكروباص الذي كنت أركبه لعطل به ونزلت والركاب باحثين عن مواصلة أخرى.. وأثناء بحثي توقف لي ميكروباص آخر .. صعدت وجلست و إذا بصوت طال فراقه لي يقول” وسام!..مش ممكن!..فينك يا بنتي؟”فنظرت فإذا به هاني ورغم سعادتي لرؤيته إلا أني شعرت بغضب شديد من سؤاله فأجبته”أنت اللي فينك ؟ وقافل تليفونك ليه؟!” ..فأجابني أنه مر بظروف قاسية و أن محبوبته باعته بأرخص ثمن وأنه قد تغير .. واستأذنني في أن يأخذ رقم هاتفي ويتصل بي وبالفعل اتصل بي بمجرد أن وصلت المنزل.. واستمرت مكالماتنا لمدة ثلاثة أشهر أخرى و لكن هذه المرة كان حب من كلا الطرفين أو أوهمني أنه كذلك .. ثم اختفى ثلاثة أشهر أخرى ولكن هذه المرة كانت الصدفة من العيار الثقيل فقد قابلته بنفس شكل الصدفة السابقة بعد تعطل الميكروباص في نفس المكان وبنفس الطريقة ولكن هذه المرة لم يكن هو مستقلاً ميكروباصاً آخر بل كان خارجاً من بوابة إحدى المنازل المجاورة .. و عندما رآني أقبل بابتسامته المعهودة ملوحاً لي بيده اليسرى ولفت نظري لمعان شيء في أصابعه.. وعندما اقترب للسلام تأكدت مما رأيت .. كان الشيء اللامع هي دبلة الزواج..سلم علي و لمعت عيناه وكأنه يتحدى كبرياءه أني سأبكي عندما أرى ما بيده و أعلم بأمره.. ولكني هدمت انتصاره علي عندما باركت ورسمت ابتسامة رضا على وجهي تأسر العقول.. وتركته وذهبت ..و طبعاً لم أجد ميكروباصاً خالي لأنه كان وقت خروج الموظفين في تمام الساعة الثالثة ظهراً ..
معلومة .. بعد هذه الحادثة أصبح رقم ثلاثة هو رقم حظي!! .. وتعلمت شيئين مهمين؛ الأول.. ألا أعطي قلبي لأي أحد ؛ والثاني..”إني أبطل أركب ميكروباصات بالذات في الحته دي ؛ وبالمناسبة اشتريت عربية محندقة تكفيني شر الصدف وعطلة الميكروباصات..الشيء المضحك بقا إن عربيتي كل ما أعدي من الحتة دي تقف.. يا محاسن الصدف.