بقلم : شاهرنورالدين
لاأستطيع أن أجد من الكلمات ما أعبر به عن ما يحدث فى غزة من انتهاكات ومجازر ترتكب فى حق أهل غزة من قتل أطفالاً رضع وشيوخًا ركع ونساءً ضعف ، وتخريب منشأت، وتدميرالمدينة بالكامل عن بكرة أبيها، بالإضافة إلى العبث بالمقدسات الدينية من قصف المساجد، وليس ذلك فحسب بل أن شعبها يعانى الأمرين من تجويع وحصار اقتصادي علي ايجاد مأكل ومشرب أو دواء وكهرباء أو ملجأ للعيش فيه.
وكل ساعة تقصف الطائرات الإسرائيلية بكل وحشية البيوت والمستشفيات ولا تراعى أدامية هؤلاء( أهل غزة )- مما أصبحت غزة لقمة سائغة للقيادة العسكرية الإسرائيلية، وهل كل ذلك بفعل ” حماس ” كما تروج وسائل الإعلام، أو كما يزعم بعض الكتاب ” بأن صواريخ حماس هى السبب ” تركنا المحتل الذى أغتصب الأرض ونهب مواردها وخيراتها ويذبح أبنائها ، وعللنا السبب على المقاوم الذى يدافع عن عرضه وماله ووطنه ، ورفض شروط المحتل المهينة من أجل التهدئة .
لقد سوفن الحق وجورنا علي صاحب الأرض ، هل حماس أخطأت بسبب انقلابها وانفراها بالسلطة، مع أنها جاءت من قبل انتخابات نزيهة وتحت رقابة دولية، أسئلة كثيرة تدور في أذهاننا .
ولكن نكرر السؤال لماذا تنتهك غزة هل بسبب حركة حماس موجودة فى القطاع أم بسبب صواريخها؟
الأجابة على ذلك السؤال يأتى من خلال دورها في المقاومة وصحوتها من جديد بكافة وسائلها ـ لأن المقاومة أعطت دافع قوى فى أحقية الشعب الفلسطيني فى العيش، لأنها خير وسيلة للاستقلال، وقد تيقن المواطن الفلسطيني أن إقامة دولته لم تأت من قبل المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي رغم التنازلات المهينة التي قدمها الشعب الفلسطينى علي مدار تارخه في سبيل الدولة الفلسطينية، وأنما تأتى من قبل المقاومة وهو حق مشروع، ومن ثم كان برنامج حماس هو رفض الأعتراف بالعدو الصهيونى لأنه فى نظرها عدو محتل أرضها ومن حقها مقاومة المحتل بكافة الوسائل والسبل.
إن بقاء المقاومة هكذا يهدد أمن إسرائيل، وخاصة أن فكر المقاومة بدأ يجدد اعتقاد راسخ لدى أغلب الشعب الفلسطينى، بأن الصهيانة لن يرضخوا إلا من خلال المقاومة، ولذا فإن حماس غير معترف بها دولياً ومدرجة كمنظمة أرهابية، فقد كانت منظمة ” فتح ” قبل ذلك منظمة أرهاربية هل تنأسي العرب من قتل ” كمال عدوان ” المسئول السياسى عن فتح في أبريل 1973 في بيروت قتله ” يهودا باراك ” وزير الدفاع الحالى( ورئيس الوزراؤ الأسبق )
عندما تنكر هو وفرقته فى ثياب فتيات ونزل شاطىء بيروت، تلك العملية التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء اللبنانى ” صائب سلام ” احتجاجاً على عجز الجيش اللبنانى على ايقاف فرقة الكوماندز التى قادها ” باراك”.
هل تنأسي العرب من قتل أبو جهاد القيادي العسكرى عن فتح فى تونس ” باراك “، هل أغفلنا من الفتاة اللعوبة التى كانت تعمل مع الموساد لقتل أعضاء حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والمفكرين والمناضلين العرب سواء فلسطينين أوعرب مع عائلاتهم ” تسيبى ليفنى ” وزيرة خارجية إسرائيل.
هل أغفلنا المجازر والأهوال التى ارتكبت فى حق هذا الشعب الفلسطينى منذ قبل 1917 هل تناسين الثورة العربية الكبرى 1936 وراح ضحيتها الكثبر من شهداء أبناء فلسطين هل ننسى ماحدث فى تدمير قرية قيسارية كاملة فى حيفا فى فبراير 1948، هل جهلنا التاريخ ما ارتكب فى مذبحة قرية دير ياسين 1948.ناهيك عن المفاوضات التي حدثت بين الطرفين لاتعد ولاتحصي منذ قرار تقسيم 1947 .
وأن مجزة غزة ليست بجديدة على الأمة العربية ،وأن ما يحدث فى غزة سببه مرض عضال أصاب الأمة العربية والإسلامية، وهو مرض الانقسام والتفتت للصف العربى، وهشاشة العرب، وفي كل أزمة أو قضية يقعوا فيه العرب يختلفوا علي مسميات ومصطلحات وفي النهاية لا يتفقوا علي شىء ، فقد اختلفوا قبل أن ينعقدوا علي أين ستكون القمة.
المشكل أن هناك مزايدات بين الدول العربية علي مواقفها، كل منهم يحمل تبعيات المسئولية علي الأخر، كأن المسئولية تقع على عائل واحداً ، مع أنه من المفترض أن الأمة العربية كلها مسئولة على مايحدث في غزة ، وأن الصمت العربي، ماهو إلا وهن عربي ، أعطي الحق لدولة إسرائيل بأن تستخدم آلياتها العسكرية فى تدمير وتجويع وقتل أهل غزة، مما أصبحت الأمة العربية متخاذلة في مواقفها ولم تعط دور ايجابي حقيقي بدليل أن وزراء خارجية أوروبا اجتمعوا قبل نظرائهم العرب وأدنوا ما يحدث في غزة واتخذوا قرار بالذهاب إلي غزة لفتح المعابر والتحرى في غزة بشأن الوضع الإنساني هناك ، وليس ذلك فحسب بل أنهم مارسوا ضغطواً علي حكومة إسرائيل لوقف القصف الجوى على غزة، في حين أن الدول العربية جمعاء موقفها ضعيف، وأنه بالنظر لاجتماع القمة العربية سواء من عدمه فسينتهى على خلافات مدوية فالكل يريد أن يزايد على آخر، وهذا ما حدث عند بعض الدول العربية عندما حملت تبعيات الموقف في غزة علي مصر، فإن مصر أكثر حرصاً على التزامها بالقضية الفلسطينية، لأنها تمس الأمن القومى المصري، وأن شعب مصر قدم الكثير ومن واجب مصر أن تبذل دماءها للشعب الفلسطينى ، ومازالت تبذل ، ولكن الذين يزايدون علي مصر ويتعدون على السفارات المصرية فى الخارج ، هل قدموا تضحياتهم لأهل غزة، هل فعلوا شيء، بل العكس أنهم لم يقدموا شيء طوال الحقبات السابقة للقضية الفلسطينية ، كما أنهم تناسوا دور مصر التاريخي والسياسى مع كافة القضايا العربية ، وأن الافتعالات العربية ضد مصر ماهى إلا تصرف أعمى وأحمق من قبل هؤلاء كأنهم تناسوا ما يرتكب ضد أهل غزة وتصرفات العسكرية الإسرائيلية المتوحشة، وبدأ اللوم علي مصر، فمن الأفضل أن تتوجه تلك الافتعالات نحو العدو الصهيونى، لا دولة عربية أخرى .
والغريب أن الأمة العربية لم تتعلم الدرس جيدًا، فكل دولة تحاول أن تستغل الموقف لنفسها ولصالحها، من أجل الريادة والزعامة، ويتجهلون القضية الأساسية التى بسببها تتأجج المنطقة ، ولهذا ستكون الأمة العربية في ضعف وشيخوخة، طالما لاتتوحد ولاتسعى لتمضيد الجراح التى تنزف لكي تلتئم، وكأننا أمة كتب عليها القدر أمة ممزقة .
وذلك ما حدث أيضاً في فلسطين، بين فتح في الضفة وحماس في قطاع غزة ، وكل منهما له نهجه وأسلوبه، إلي أن وصلت الأمور بينهما إلى قتال في شوارع ، وتناسوا أنهم تحت وطأة محتل وأغفلوا عن قضيتهم، وكل منهم سعى لتقويض الآخر علي حساب القضية الفلسطينية، وفي النهاية خسرت فلسطين قضيتها بين تشاحن فتح وحماس، وهكذا كعادة العرب عند اندلاع أى أزمة يحدث تشاحن بدلاً من التلاحم .
ولكن نتسأل لماذا حدثت مذبحة غزة في تلك الأونة؟ وماذا كان موقف حماس، إنها استاءت ـ عن حق ـ من أن التهدئة التي وافقت عليها لم يصاحبها رفع للحصار، بل تكثيفه وتشديده, وعدم التزام إسرائيل بالكثير من النقاط التي اتفقا عليها كجزء من عملية متدرجة تسمح فيما بعد بالمصالحة الفلسطينية وإعادة بناء الوضع الفلسطيني والدخول في مفاوضات اكثر جدية، وكانت تطالب بالأفراج عن إسراهوجاء الرد بالرفض ، ومن المدهش أن السلطة الفلسطينية تقر بأن هؤلاء لابد من وضعهم فىالسجون لأنهن تحت قضايا أمنية لأنهم قاوموا المحتل، مما كان الخيار أمام حماس كقوة أمر واقع في القطاع ينحصر في أمرين: إما التمسك بالتهدئة مع استمرار المطالبة عبر القاهرة والسلطة الفلسطينية برفع الحصار, وإطلاق الأسري الفلسطينيين.
أما الأمر الثاني فكان استمرارية المقاومة، وإنهاء التهدئة والدخول في أزمة بغية تغيير معادلات الوضع الفلسطيني بداية من غزة وربما في الضفة الغربية، وخاصة في بداية ” تولي ” أوباما ” الإدارة الأمريكية ، لكي تعيد النظر فى ملف القضية الفلسطينية .
وقد كان موقف حكومة إسرائيل من منهج ” حماس ” تهديد للأمن القومي الإسرائيلي ، وكان هذا الدافع قوي للقيادة العسكرية الإسرائيلية لتدمير غزة ، بالإضافة إلي الانتخابات الإسرائيلية المزمع عقدها في فبراير 2009 بين ” حزب أكاديما ” تسيبى ليفني ” وبين حزب الليكود
” نتيناهو” وكل منهما يرديد إبراز دوره فى تغيير المعطيات السياسية فى القصية الفلسطينية ولإقصاء دور حماس، وبالإضافة إلي وضع السلطة الشرعية لمحمود عباس وفتح ، في نفس فترة الانتخابات . أى أن عام 2009 سيشهد تغيرات علي الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي، وبقاء حماس هكذا سيوضح فشل كافة المسارات التى سيتم تنسيقها مع حماس أو الفصائل الفلسطينية الأخرى كالجهاد . وبالتالي صار القضاء علي حماس أمر نهائى لابد من تنفيذه .
كما أن القادة الإسرائيليون يعانون نفسيًا من هزيمة حرب تموز في لبنان 2006 ، وكان مخططهم الجديد إبادة الأيديولوجية الإسلامية حماس، تعويضًاعن هزيمتهم أمام حزب الله ، وتحقيق نصر عسكرى يرفع من روح العسكرية الإسرائيلية .
في الواقع أن الغارات الإسرائيلية علي غزة لن تحقق أهدافها ولن تجن منها إسرائيل أى شىء سوى إبراز هيمنتها العسكرية، ولن تستطيع أضعاف حماس أو القضاء عليها بل العكس ستزيد من تعاظم قواها، كما ستجذب كافة أنظار العالم لديها باعتبارها رمز للمقاومة ، وسيعيد المجتمع الدولي النظر من جديد فى القضية الفلسطينية وفي حق الشعب الفلسطينى فى العيش، كما أن كافة القوى الفلطسينية ستسير علي درب حماس ، وستواجه إسرائيل كافة الفصائل الفلسطينية حتي فتح نفسها .
كما أن الإعلام العربي سيبرز للعالم أن إسرائيل دولة متبربرة علي شعب محصار محتل ، وفي النهاية سترضخ لوقف إطلاق النار بعد أن تقيم نتيجة القصف الجوى ، هل جاء في صالحها أما مازال الأمر معلق، لتبدأ معركتها البرية معركة الأبادة ، ولكنها رغم ذلك تخشى المواجهة البرية، لأنها ستكون حرب الشوارع ، وستستجاب للضغوط الخارجية بوقف الحرب بحجة دوافع إنسانية مع تدخل من رقابة دولية في غزة لوقف مقاومة حماس من غزة ، وبالتالي تلك الحرب ماهى إلا حملة لتأديب الشعب الفلسطينى وخاصة أهل غزة بسبب تضامنهم مع حماس .
ولكن في النهاية سأقول مهما يكون من مخطط إسرائيلي فأن المقاومة الفلسطينية ستستمر والاستبسال سيدوم، لأن الدين الإسلامى يحث علي الجهاد ، ومن حق أى مواطن احتلت أرضه أن يقاوم المحتل، وهذا معترف شرعًا وعرفيًا ودولياً.
ورغم عجزى علي أن أوصف الشعب الفلسطينى، عامة سوى أن أقول بأنه خير رباط الدين والأمة ، فهم الشهداء الأبرار، وأفرحى أيتها الأمة التى فقدت أبنك، وكبر أيها الأب(الله اكبر) الذي فقدت ولدك، وزغرطى أيتها السيدة بفقدك زوجك، واستبشر خيراً لكل أبن فقد أباه ، فهؤلاء مع الشهداء والنبين.
وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ