أحياناً كثيرة أجلس مع هذا الكتاب العظيم الذي لا تنقضي عجائبه، فتخطر ببالي فكرة أتوقع أن أجدها في القرآن وبعد بحث بسيط أجد هذه الفكرة تتجلى بشكل يخشع له القلب، لدرجة أنني أتوقف عن التفكير ولا أدري كيف أعبر عن ذلك الإحساس الذي ينتابني لدى رؤية هذه المعجزة أو تلك.
فالخشوع يا أحبتي إحساس لا يمكن وصفه، ولذلك تجد أعلى درجات الإيمان تتجلى في خشوع المؤمن لربه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90]. وهذا الخشوع من أهم نتائجه استجابة الدعاء، فإذا أحببت أن تكون مستجاب الدعوة فأكثر من تأمل معجزات القرآن لتزداد خشوعاً لله تعالى عسى أن تصل إلى مرتبة هؤلاء الأنبياء الذين كان كل وقتهم خشوعاً لله تعالى.
ومن الأشياء التي تأثرت بها عبارة (سبحانه وتعالى) فهي عبارة رائعة تنزِّه الله عن أن يكون له ولد أو شريك أو صاحبة. وقلت لابد أن تحوي هذه العبارة معجزة ما، وهذا منهجي في البحث، فعندما أنظر إلى كتاب الله أنظر إليه وأنا أعتقد أن كل كلمة وكل عبارة تحوي معجزة ما ينبغي علي كمؤمن أن أبحث عنها، لأن الله تعالى سيسألني عن هذا الكتاب ماذا قدمت له فهو يقول: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف: 44].
وبدأتُ أتأمل هذه العبارة (سبحانه وتعالى) ووجدت فيها كلمتين هما كلمة (سبحانه) وكلمة (تعالى) ولجأتُ إلى لغة الأرقام: كم مرة تكررت كلمة (سبحانه) وكم مرة تكررت كلمة (تعالى)؟ وبعد البحث والتأمل وجدتُ أن هاتين الكلمتين تأتيان مع بعضهما أحياناً مثل قوله تعالى (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الروم: 40]. وأحياناً تأتي كلمة (سبحانه) منفردة كما في قوله تعالى: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ) [يونس: 68]. وأحياناً تأتي كلمة (تعالى) منفردة كما في قوله تعالى: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) [طه: 114].
وهنا بدأتُ أطرح السؤال الآتي: كم مرة وردت كل من هاتين الكلمتين في القرآن وهل يمكن أن نجد تناسقاً ما في تكرار هاتين الكلمتين؟ وكانت المفاجأة أن كلمة (سبحانه) تكررت في القرآن كله 14 مرة وكلمة (تعالى) تكررت في القرآن كله 14 مرة بنفس العدد، فسبحان الله! لنتأكد من ذلك:
تكرار كلمة (سبحانه) في القرآن
تكررت كلمة (سبحانه) في القرآن 14 مرة في الآيات الآتية:
1- وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ
2- إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ
3- وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ
4- وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
5- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
6- قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ
7- أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
8- وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ
9- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا
10- مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ
11- وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ
12- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
13- لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
14- وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
تكرار كلمة (تعالى) في القرآن
وتكررت كلمة (تعالى) في القرآن 14 مرة في الآيات الآتية:
1- وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ
2- فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
3- قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
4- أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
5- خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
6- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا
7- فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ
8- عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
9- فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ
10- أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
11- مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
12- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
13- وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
14- وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا
أول مرة وآخر مرة
1- إن أول آية وردت فيها كلمة (سبحانه) في القرآن هي قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) [البقرة: 116]. أي أن هذه الآية تقع في سورة البقرة، لنتذكر هذه السورة قليلاً.
أما أول مرة وردت فيها كلمة (تعالى) في القرآن نجدها في قوله تعالى: (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ) [الأنعام: 100]. أي أن هذه الآية تقع في سورة الأنعام.
والآن يمكن أن نستنتج أن كلمة (سبحانه) تسبق كلمة (تعالى) لأن سورة البقرة تسبق سورة الأنعام في ترتيب المصحف!!
2- آخر مرة وردت فيها كلمة (سبحانه) في القرآن في قوله تعالى: (وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر: 67]. أي أن هذه الآية تقع في سورة الزمر.
أما آخر مرة وردت فيها كلمة (تعالى) في القرآن هي قوله: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) [الجن: 3]. أي أن هذه الآية تقع في سورة الجن.
العجيب أخي القارئ أن كلمة (سبحانه) تسبق كلمة (تعالى) هنا أيضاً، لأن سورة الزمر تأتي قبل سورة الجن في ترتيب المصحف، فسبحان الله!
تأمل معي أخي الحبيب هذا التناسق العجيب! نلاحظ أن كلمة (سبحانه) تكررت 14 مرة حسب الجدول الأيمن، وكلمة (تعالى) تكررت 14 مرة بنفس العدد على اليسار، سبحان الله! هناك المزيد:
1- كلمة (سبحانه) وردت أول مرة في القرآن منفردة: (سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ)، وآخر مرة وردت مقترنة كما يلي: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ): منفردة ? مقترنة.
2- كلمة (تعالى) وردت أول مرة في القرآن مقترنة: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ) وآخر مرة وردت منفردة: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا). أي بعكس الكلمة السابقة: مقترنة ? منفردة.
3- ولو أخذنا جميع الآيات التي وردت فيها هاتين الكلمتين أي كلمة (سبحانه) وكلمة (تعالى) نجد أن الآية الأولى جاءت فيها كلمة (سبحانه) منفردة والآية الأخيرة جاءت فيها كلمة (تعالى) منفردة أيضاً!
أول آية وآخر آية
ولو تأملنا كل هذه الآيات نلاحظ أن أول آية وآخر آية هي:
– الآية الأولى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) [البقرة: 116].
– الآية الأخيرة: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) [الجن: 3].
نلاحظ أن الآية الأولى تحوي كلمة (سبحانه) والآية الأخيرة تحوي كلمة (تعالى)، إذن بدأ الله سلسلة الآيات هذه بكلمة (سبحانه) لتنزه الله تعالى عن الولد وترد على الذين يدعون أن الله اتخذ ولداً، وانتهت هذه السلسلة من الآيات بكلمة (تعالى) لتنزه الله عن الصاحبة والولد! إذن سلسلة الآيات بدأت بكلمة (سبحانه) وانتهت بكلمة (تعالى)، والسؤال: هل جاء هذا التوافق العجيب والمحكم بترتيب بشر؟!