بقلم : محمد عزوز
عالم اليوم يبحث عن السلام، ويُجري معاهدات سلام ذات شروطٍ والتزامات.
ولكن، السلام الحقيقي هو الذي يفكرون به دون أن يدركوه، ويتحدثون عنه دون أن يعرفوه، يسعون إليه دون أن يبلغوه، ويتغنون به دون أن يحبوه. هو غامض عن أذهان الكثيرين وغائب عن مجالات تحركهم.
سمعْتهم يريدون أن يتحرروا من كل شيء.. من لباسهم.. من حيائهم.. ومن أخلاقهم، من مشاعر الأهل وتمنياتهم الطيبة، من احترامهم لحريات الآخرين، من اعترافهم بحقوق جميع الناس، من نواميس الطبيعة، من رقابة الدولة، من سلطة القانون والنظام العام، من تحذيرات الوصايا الإلهية، من شريعة الخالق العظيم. ثم يكون لهم سلام، وأي سلام هذا؟
أهو سلام الظلم والاستبداد على المستوى العام أم سلام الأنانية والنزوات الجامحة والسادية البغيضة على المستوى الفردي؟ فالإنسان – كما أوجده الله – مخلوق اجتماعي يعيش ضمن مجموعات قوامها الأسرة فالمجتمع فالدولة فالعالم. يساهم في الحقوق والواجبات مع غيره من الناس، بتعايش سلمي مؤدب وبعلاقات متوازنة عادلة ضمن كمّ من المشاعر المشتركة، بحيث تنتهي حريته في حدودها قبل المساس بحريات الآخرين، ويكتفي بما يخصه من المطالب دون الإضرار بمطالب الآخرين.
¨ كم يعيش الكثيرون جداً في عصرنا الحاضر في خوف قاتل واضطراب شامل يؤدي بالكثيرين إلى التردد على أطباء النفس والإدمان على تناول العقاقير. وما أكثر الذين لا يستطيعون النوم إلا بفعل المهدئات.
¨ ويسعى الكثيرون في العالم اليوم من أجل المشتهيات والمفاتن، ويجرون خلف المطامع والمقتنيات الفخمة دون شعور بالرضى. فكلما زاد الغنى زادت محبة المال والتعبد له، مع شعور لا يتوقّف عن الجوع واللهفة إلى المزيد. فكلما تحققت شهوة تفتحت أبواب النفس لشهوات أخر فلا قناعة ولا اكتفاء.
¨ وكم تجد في العالم اليوم من أناس لا يرضيهم أن يعيشوا على وفاق مع آخرين بل تجدهم في حالة حرب مستترة أو معلنة مع جميع الناس، فلا يسلم أحد من انتقاداتهم وتجريحهم وهم متسلحون بالبغضاء والحسد، بالكبرياء والمذمة، حاسبين كل إنسان آخر دونهم كرامة وعقلاً ومقاماً. فإذا ما تساووا مع الآخرين في أمر ما اعتبروا ذلك حظاً سيئاً لهم.