تقرير : مها فوزى
سربت بعض التقارير الصحفية جانبا من التحقيقات التي أجراها مستشارو وزارة العدل مع الرئيس السابق محمد حسني مبارك، في التهم الموجهة إليه بقتل المتظاهرين والتسبب في الانفلات الأمني وترويع المواطنين والتي أجريت يوم الثلاثاء بمستشفى شرم الشيخ الدولي حيث يخضع مبارك لعلاج.
وتشير التقارير إلى أن النائب العام حدد يوم 12 أبريل موعدا لحضور مبارك ونجليه إلى النيابة، كما حدد محكمة التجمع الخامس لتكون مكانا للتحقيق، وأرسل النائب العام إخطارا إلى وزير الداخلية اللواء منصور عيسوي، لاتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة لتأمينهم، إلا أن الوزير قدم تقريرا للنائب العام في اليوم التالي أبلغه فيه بأن هناك صعوبة في عملية التأمين حال مثول المتهمين للتحقيق في القاهرة، لما يحيط بذلك من محاذير أمنية خطيرة.
وقال وزير الداخلية في تقريره: “من المناسب استجوابهم جميعا بعيدا عن مدينة القاهرة، وحالة الرئيس السابق الصحية قد لا تسمح بنقله”، فأصدرت النيابة العامة قرارا بتشكيل لجنة طبية، برئاسة كبير الأطباء الشرعيين، لتوقيع الكشف الطبي على الرئيس السابق في مقر إقامته بشرم الشيخ، لبيان حالته الصحية ومدى إمكانية نقله لمقر النيابة العامة لاستجوابه.
وتوجهت اللجنة إلى مقر إقامة الرئيس السابق وأطلعوا أفراد الأسرة على قرار النيابة العامة. وخضع الرئيس السابق للكشف الطبي، وأثبت تقرير اللجنة الذى تم إرساله إلى النائب العام عبر الفاكس، أنه يعانى ظروفا صحية تستلزم نقله لأحد المستشفيات، ليكون تحت الرعاية الطبية أثناء استجوابه.
وبناء على التقريرين الأمني والطبي، عقد النائب العام ووزيرا العدل والداخلية وأعضاء من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، اجتماعا في مقر وزارة العدل ليلة بدء التحقيق، اتفقوا خلاله على استجواب الرئيس السابق داخل مستشفى شرم الشيخ، واستجواب نجليه في مقر المحكمة الجديدة في شرم الشيخ، على أن تتولى وزارة الداخلية، بالتعاون مع الشرطة العسكرية تأمين نقلهم. وتم إخطار الرئيس السابق ونجليه بطلب استدعائهم للتحقيق.
وسافر ليلة التحقيق فريق من المحامين العامين الأول من مكتب النائب العام بالقاهرة، إلى شرم الشيخ، لمباشرة التحقيقات في تلك الوقائع. وفى الصباح تم إخطار المستشار مصطفى سليمان، المحامي العام، المكلف بالتحقيق مع مبارك، بأنه تم نقل الرئيس السابق إلى مستشفى شرم الشيخ، وأنه جاهز ومحاميه فريد الديب لبدء التحقيقات.
بدأت التحقيقات بأن أثبت المحقق انتقاله إلى المستشفى لاستجواب “المريض” محمد حسنى مبارك في الاتهامات المنسوبة إليه، بالتحريض على قتل المتظاهرين والتسبب في حالة الانفلات الأمني خلال الثورة، التي شهدتها البلاد منذ يوم 25 يناير الماضي.
وسأل المحقق الفريق الطبي الذى يباشر حالة مبارك: ما طبيعة الحالة الصحية بالنسبة للمريض، فرد الأطباء بأنه بالكشف على المريض تبين أنه مصاب بهبوط حاد وحالة إعياء شديدة تتطلب تأجيل التحقيق معه لبعض الوقت لحين استرداد حالته الصحية. وسأل المحقق الأطباء عن الوقت المطلوب لاسترداد المريض صحته، وكانت الإجابة: ساعة تقريبا.
أثبت المحقق كلام الفريق الطبي، وعادوا مرة ثانية بعد ساعة ونصف الساعة تقريبا بعد أن أخطرهم الطبيب بأن حالته جيدة ويمكن استجوابه، وطلب المحقق من سكرتير الجلسة أن يثبت وجود محامى المتهم وفريق طبى مكون من 3 أطباء داخل غرفة التحقيق. وطلب من الأطباء أن يبلغوه برغبتهم في إيقاف التحقيق، إذا تطلب الأمر ذلك.
وسألت النيابة مبارك في بداية التحقيقات عما إذا كان مستعدا لبدء التحقيق من عدمه فرد بالإيجاب، وسألته النيابة عن معلوماته حول المظاهرات التي خرجت منذ يوم 25 يناير الماضي واستمرت عدة أيام، وبحسب مصادر، طلبت عدم نشر أسمائها، ظل الرئيس السابق صامتا للحظات قبل أن يجيب بأنه كان يعلم أن هناك شباباً متظاهرين ينظمون وقفات احتجاجية في أكثر من محافظة، للإعلان عن احتجاجهم ضد الأوضاع الاقتصادية السيئة، فبادره المحقق بقوله: ما تعليماتك للمسؤولين سواء في وزارة الداخلية أو رئاسة الجمهورية للتعامل مع هؤلاء المتظاهرين، فقال إنه لم يعط أي تعليمات لأى جهة بقتل أي متظاهر وأنه فقط كان يتلقى أخبارا عن الأوضاع في الشارع.
أضاف مبارك أن المرة الوحيدة وقتها التي تحدث فيها مع وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، طلب منه خلالها عدم التعامل مع المحتجين، والحرص على ألا تدخل عناصر مندسة من الخارج بين هؤلاء المتظاهرين، ممن يهدفون إلى تخريب البلاد، ونفى مبارك في التحقيقات، التي أجراها معه المستشار مصطفى سليمان، المحامي العام، إصداره أي أوامر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين أو التعدي عليهم بالضرب. وأوضح أنه هو الذى طلب من القوات المسلحة النزول إلى الشارع لحماية المواطنين وطمأنتهم.
كما أضاف الرئيس السابق في التحقيقات أنه كان قد اتخذ قرارا بترك الحكم والتنحي رابع أيام التظاهرات، إلا أن مقربين منه أقنعوه بأن تركه للسلطة من شأنه إدخال البلاد في منعطف خطير، حسب قوله. وتابع أنه خشى من حدوث انفلات أمنى وسيطرة البعض على الشارع. وأوضح: اقترحت الخروج عبر التليفزيون والحديث مع الشعب والتأكيد على المواطنين بأنني سأترك الحكم حال استقرار الأوضاع، إلا أن زكريا عزمي وآخرين أكدوا لي أن المواطنين لا يريدون أن أترك الحكم، لكن يريدون الإصلاح وتغيير الحكومة فوافقت على التغيير.
واستطرد مبارك أنه كان يمر في تلك الأيام بظروف صعبة جدا، وصفها بأنها قاسية ولا يستطيع أحد تحملها. وأكد أنه لم يكن ينوى الترشح للرئاسة من جديد، لأنه لم يعد يتحمل الضغوط، كما أن صحته تدهورت بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
وقال: إذا كان أحد من المسؤولين في وزارة الداخلية أو غيرها زجوا باسمي في أي تحقيقات فكلامهم كذب. وأبدى استعداده لمواجهة أي شخص بما لديه من مستندات أو أدلة مادية. وأكد أنه كان يتابع الأحداث من خلال القنوات التليفزيونية المصرية فقط، وأنه أصيب بحالة من الفزع بعد انتشار الحرائق في القاهرة والمحافظات، وأنه طلب من وزير الداخلية وقتها ألا يتعامل مع المتظاهرين ويكتفى بحراستهم وحماية المنشآت العامة فقط.
وبعد تحقيقات استمرت قرابة 5 ساعات متقطعة، طلب الرئيس السابق تأجيل التحقيقات لشعوره بالإعياء، فقرر المحامي العام إيقاف التحقيقات بعد أن وجه للرئيس السابق سؤال: أنت متهم بالتحريض على قتل المتظاهرين، فرد مبارك مشيرا برأسه بما يعنى النفي.
وأمرت النيابة بحبس الرئيس السابق 15 يوما على ذمة التحقيقات والتحفظ عليه داخل المستشفى. وتم تعيين حراسة من وزارة الداخلية، بإشراف لواء شرطة. وغادر أفراد الحرس الجمهوري المستشفى، بعد أن تولت الداخلية التحفظ على مبارك. وقال المتحدث الرسمي للنيابة العامة، في بيان الاربعاء ، إن النيابة ستواصل التحقيقات مع الرئيس السابق، وستعلن نتائجها فور اكتمالها.