التحالف من أجل الديمقراطية
بين تحديات المرحلة وآفاق المستقبل
عبد العالي حارث : دكتور في الحقوق
عضو الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة
المقدمة:
يرتكز التحالف من أجل الديمقراطية على مفهوم الكتلة التاريخية التي أصل لها ،نظريا،المفكر و المناضل الايطالي “غرامشي”، ويسعى التحالف إلى الخروج بالبلاد من الاحتقان المتصاعد عبر النهوض بها في مجالات الحياة المهمة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية والديمقراطية والثقافية, وذلك على أساس الفلسفة التشاركية في المواطنة والوطن… وهو ما تطلب من كل فرقائه السياسيين المتحالفين تقديم تنازلات مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكتلة التاريخية عند “غرامشي”, احتفظت لأطرافها “اليساريين والشيوعيين والليبراليين في شمال ايطاليا والكنيسة في جنوبها ” بهامش من الاستقلالية و المرونة.
إن التحالف يمتح, إذن, من الأركيولوجية التاريخية المتمثلة في التجارب الإنسانية, مما يتعين معه القول, إنه ليس تأسيسا هجينا, أو خرقا لمألوف العمل الحزبي، أو بدعا على القوانين المتحكمة في اللعبة السياسية، وهو ما يستدعي منا طرح ثلاثة أسئلة جوهرية تتمثل أولا في سؤال الأساس وثانيا في سؤال المشروع وأخيرا في سؤال البرنامج.
أولا: سؤال الأساس
إن التحالفات الصلبة تتطلب إعطاء الأولوية القصوى للبرامج كأساس لإبرامها. وأصل هذه القاعدة, تتمثل في اعتبار الإيديولوجيا عائقا يرهن الطاقات والإمكانات, مما يضفي عليها, أي الإيديولوجيا, قيمة دوغمائية تحول دون قيام العمل النهضوي الموحد والشامل.
فإذا اعتبر البنيويون الإيديولوجيا عائقا إبستمولوجيا, فبالقياس عليه فهي عائق سياسي يحول دون التكامل بين المكونات المتباينة, الشيء الذي تتقلب معه إلى أداة مضادة للتطور والعقلانية أمام مكونات المجتمع وقدراته النظرية والعملية الكامنة فيه.
إن التحالف على أساس برنامج مشترك, لا يعتبر في نظرنا, انحرافا سياسيا كما يدعي البعض, بقدر ما أن أساسه النظري والواقعي له ما يبرره في التجارب الإنسانية, إذ بفضله استطاع غيرنا الخروج من النفق وبناء نهضة شاملة.
ثانيا: سؤال المشروع
ينطلق التحالف من أجل الديمقراطية من اعتبار أن مشروعه المجتمعي الديمقراطي الحداثي أساسه المرجعية النظرية الدستورانية المتضمنة في المتن الدستوري الأخير, وذلك من خلال استحضار فلسفته العامة ومقتضياته وأحكامه وقوانينه التنظيمية, ومبرر هذا التوجه يستند على اعتبارين اثنين:
1- الاعتبار المنهجي: الكامن في الآلية التشاركية لكل مكونات المجتمع المغربي في إعداد وصياغة وصناعة الدستور الحالي.
2- الاعتبار الهندسي: الذي أملته الهندسية التفصيلية عند إعداد الدستور في كل القضايا والإبعاد والمقاصد, والإجابة عن الأسئلة المفصلية في أحكامه وقواعده ومقتضياته، علاوة على قوانينه التنظيمية التي من شأنها تتميم وتفسير الأحكام المسكوت عنها.
إن تأكيد التحالف من أجل الديمقراطية على الأهمية الإستراتيجية للمتن الدستوري الجديد، تأتي، إذن، من ضرورة البحث عن أحسن الطرق وأنجع الآليات لتنزيله وتصريفه وأجرأته العقلانية والواقعية والايجابية وهو ما يطرح التحدي الأكبر أمام كل مكونات المشهد الحزبي وجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات.
إن التنزيل الأمثل لمقتضيات الدستور باعتباره مشروعا مجتمعيا ديمقراطيا، لن يتأتى إلا من خلال برنامج تتضافر فيه الجهود المخلصة، وتذوب فيه الطاقات المتعددة وتقدم بشأنه تنازلات مؤلمة، مراعية كل الشروط الموضوعية وطبيعة المرحلة والمقاصد الغائية والأهداف الكبرى للمشروع المجتمعي.
ثالثا : سؤال البرنامج :
ينطلق، إذن، التحالف برغم مرجعياته المتباينة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مرورا بالوسط للإجابة عن التحديات الدستورانية من خلال إعداده برنامجا للمرحلة المقبلة واضعا في صلبه ثلاثة تحديات: تحدي الكرامة، تحدي الازدهار الاقتصادي، وأخيرا تحدي الثقة، مع إرفاقه بعشرين التزاما من خلال اعتماده منهجية تشخيصية لكل القطاعات الحيوية مستحضرا العلاجات الممكنة ومقدما المؤشرات الرقمية لتصريفه على الوجه الأكمل.
وقد راع التحالف في برنامجه التعاطي المرن مع كل الاختيارات الكبرى لكل مكوناته الحزبية المتحالفة, بدءا من المبادرة الحرة وأهمية الدولة كشريك في التنمية المستدامة واستحضار البعد البيئي مرورا بعدم المساس بالتوازنات الماكرو اقتصادية وتحقيق معدل للنمو معقول لخلق مناصب للشغل والثروة وتوزيعها بشكل عادل ومتكافئ، ومكرسا مجتمع التعددية الفكرية واللغوية والثقافية والإعلامية ودولة الحق والقانون واحترام الحريات والحقوق بدون التفريط في ثوابت الأمة الدينية والوطنية عقيدة وهوية ومؤسسات .
الخاتمة:
1/ إن حضور ذاتية المكونات الحزبية للتحالف في متن البرنامج من شأنه إعطاء مزيد من المرونة والواقعية والعقلانية, وأن يساعد على إقناع مكونات حزبية أخرى للالتحاق به، فضلا على إمكانية تصريفه بدون أية مشاكل سواء من خلال تحمل التحالف تدبير الشأن العام أو من خلال الدفاع عنه في المعارضة.
2/ ولهذا يمكن القول أن التحالف اجتمعت فيه شروط الاستمرارية لكونه تجاوز المنطق السياسوي والانتخابوي، وتحكمت فيه الرؤية الإستراتيجية للمستقبل مستحضرا مصلحة البلاد والأمة ومكونات الخريطة السياسية التي عرفت اصطفافات وتقاطعات متناقضة وقد اختار التحالف الانحياز للمطالب الشعبية المشروعة المنادية بالقطع مع الفساد والرشوة والريع الاقتصادي والسياسي من جهة، كما انه يرفض من جهة أخرى كل سياسات التيئيس والإحباط والعدمية والتشكيك ./.