لاشك ان المتابع لمحاكمات ثورة 25 يناير 2011 سوف يصاب بارتفاع ضغط الدم الذى قد ينهى حياته بسكتة قلبية ، فعقب سقوط حسنى مبارك و عصابته تنادى عدد من الكتاب و المفكرين و القانونيين بطلب تطهير القضاء و اقالة النائب العام و ان يتم تشكيل محكمة ثورة لمحاكمة رموز النظام البائد و تنادى آخرون بتفعيل قانون الغدر الذى حوكم بمقتضاه رموز العهد الملكى بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، و لكن المسئولين ( المجلس الاعلى للقوات المسلحة و وزاراته التى شكلها الفريق احمد شفيق ثم الدكتور عصام شرف ) ارتأوا ان يحاكم المتهمون امام المحاكم العادية و وفقا للقوانين السارية !! ، و تشكك العديدون من ادانة اى متهم و كان لنا السبق فى التحذير تلو التحذير بعدة مقالات حوى اولها اقتراح مشروع قانون بانشاء محكمة ثورة 25 يناير و نشرته العديد من الصحف و المواقع و قام الشباب بتنظيم مليونية تهتف و تنادى و تطالب باقالة النائب العام باعتبار انه وقف ضد الثورة منذ اول يوم و أصدر عديداًً من القرارات بحبس المتظاهرين غداة 25 يناير بتهم شتى تبدأ بتعطيل المرور و لا تنتهى بتشكيل تنظيم لقلب نظام الحكم !! و سخر الناس من التهم و قرارات الحبس و الامر بها و اضطرت النيابة الى الافراج عن المحبوسين بعد ايام على اثر قطع ايدى وزارة ” البلطجية ” التى تسمى فى البلاد الاخرى وزارة الداخلية 00
ضاعت نداءات صفوة المفكرين سدى بعد ان انبرى من يقول ان المحاكمات الاستثنائية ستحول دون استرداد الاموال المهربة للخارج ، و انتظمت مليونيات المتظاهرين و دوت حناجرهم لاول مرة فى التاريخ هتافا بسقوط النائب العام !! و انفضت بعد ان افتى احدهم بان عزل النائب العام لا يجوز باعتباره مساسا بالسلطة القضائية ؟ و فجرنائب جرىء بمجلس الشعب قنبلة المطالبة بعزل النائب العام فتلقف احدهم تلك القنبلة و نزع فتيلها قائلا :” اعزلوا ألسنتكم عن النائب العام ” وكأنه لم يعلم ان الثورة عزلت رأس النظام فى الدولة و هى بالتالى قادرة على عزل اى مسئول مهما كبر مركزه ، و ان الاولى و الاشرف للنائب العام هو الاستقالة..
تولى النائب العام الاشراف على التحقيقات مع لصوص الدولة و عصاباتها و قتلة الثوار و ناهبى مقدرات الشعب وقدمهم للمحاكمات باتهامات هزيلة وبدون ادلة او ادلة مبتورة و تناسى الاتهامات الحقيقية التى تتصدرها الخيانة العظمى و عدم احترام الدستور و القوانين وتزويرالانتخابات والتعذيب والغدر و التدخل فى اعمال القضاء الخ الخ..
فاذا بالمتهمين بنهب المال العام يخرجون من الاتهامات مثل الشعرة من العجين بمجرد ان ردوا المنهوبات ( اوضح مثل على ذلك هو حفظ التحقيق مع سوزان صالح ثابت زوجة حسنى مبارك التى اتهمت بالاستيلاء على قصر العروبة بموجب عقد مسجل بالشهر العقارى و اختلاس مائة و ثلاثة و اربعين مليون جنيها من حساب مكتبة الاسكندرية ) و اذا بالمتهمين بقتل الثوار فى كافة انحاء الجمهورية يفوزون بالبراءة و اذا بمحاكم الجنايات تثبت بمدونات احكامها ما يعتبر مفاجأة صاعقة ، فقد قررت المحكمة انها اطمأنت الى ان المتهمين المنكرين للتهم لم يكونوا متواجدين بمسرح الجريمة !! اما المتهمين المعترفين بالقتل او الذين تم تصويرهم بالفيديو و هم يصوبون اسلحتهم النارية الى صدور الثوارالعزل ، فقد اطمأنت المحاكم انهم كانوا فى حالة دفاع شرعى عن البتاع ؟ و غدا او بعد غد تصدرمحكمة الجنايات التى تحاكم حسنى مبارك و ولديه و عصابة الداخلية حكمها باسم الشعب ، و من المتوقع ان يحصل مبارك على البراءة فى تهمتى الاشتراك فى قتل الثوار و تربيح الاخرين من صفقة الغاز لاسرائيل و يحكم عليه بالسجن سبع سنوات عن تهمة الكسب غير المشروع ، و من المتوقع ايضا ان يحكم على افراد عصابة الداخلية بالسجن من ثلاث الى عشر سنوات ، اما علاء و جمال فالحكم المتوقع هو السجن خمس سنوات لكل منهم ، و هذه العقوبات تافهة جدا و سوف تكون صدمة للشعب لانها بمثابة براءة للمتهمين !! و من المتوقع ان يصدر النائب العام بيانا يعلن فيه انه سوف يطعن بالنقض على الحكم مثلما اعلن فور صدور اول حكم ببراءة قاتلى المتظاهرين الصادر عن محكمة جنايات السيدة زينب وعقب توالى البراءات و كأن الامر مهرجان البراءة للجميع سكتت النيابة فلا طعن و لا غيره !! كما ان الحديث عن الطعن بالنقض – الذى يستغرق ما بين عشرة سنوات الى خمسة عشر عاما ? حديث غير ذى معنى فى ظل ثورة قامت لاقتلاع الظلم و القهر و الاستبداد ، و لعل اكثر الامور غرابة فى احكام البراءة ان مصدريها اثبتوا فى مقدمتها انها باسم الشعب !؟ ..
و لا شك ان الشعب الذى تنسب اليه احكام براءة القتلة و اللصوص ليس هو الشعب المصرى ، الشعب الذى انتفض و ثار على عصابة مبارك ( المشكلة من حسنى و اسرته و حكوماته و اعضاء حزبه و اعضاء مجلسى الشعب و الشورى و ضباط الشرطة و القضاة والاعلاميون و رجال الاعمال ) تلك العصابة التى دمرت البلاد و افسدت الاخلاق و الذمم و الضمائر و نهبت الاقتصاد و حرمت الشعب من مقدراته و حقوقه الاساسية فى الحرية و الحياة الكريمة و السكنى و العمل و الصحة و التعليم ، فاذا قدمت تلك العصابة للقضاء و اصدر القضاة احكاما ببراءتهم من التهم فلا ينبغى ان يتصدر الاحكام عنوان “باسم الشعب” لان الشعب لا يزال يطالب بالقصاص و لا يزال يطالب بحقوقه فى الثروات التى هربت خارج مصر و الثروات التى هربت داخل مصر، فاذا لم يجد القصاص فى القضاء فقطعا سوف يلجأ الى الميادين ويصدر احكامه على اللصوص و القتلة بالاعدام و هنالك يصح ان نقول ان تلك الاحكام صدرت باسم الشعب?