وجدت قصة طريفة حدثت في زمن الخليفة المعتضد حيث رفع إليه أن طائفة من الناس يجتمعون بباب الطاق ،وقد كثر فسادهم وإفسادهم . فضاق الخليفة بهم ذرعاً وحرج صدراً فدعا بعبيد الله بن سليمان ، ورمى بالرفيعة إليه ، وقال : انظر فيها وتفهمها ، ففعل ، وشاهد من تربد وجه المعتضد ما أزعج ساكن صدره وقال : قد فهمت يا أمير المؤمنين . قال المعتضد : فما الدواء؟. قال : تتقدم بأخذهم وصلب بعضهم وإحراق بعضهم وتغريق بعضهم ، فإن العقوبة إذا اختلفت ، كان الهول أشد والهيبة أفشا، والزجر أنجع ، والعامة أخوف.
فقال المعتضد- وكان أعقل من الوزير-: والله لقد بردت لهيب غضبي بفورتك هذه،وحططت علي الرفق ، من حيث أشرت بالخرق ،وما علمت أنك تستجيز هذا في دينك وهديك ومرؤتك ، ولو أمرتك ببعض ما رأيت بعقلك وحزمك لكان من حسم المؤازرة ومبذول النصيحة والنظر للرعية الضعيفة الجاهلة أن تسألني الكف عن الجهل ، وتحبب إلي الصفح وترغبني في فضل الإغضاء على هذه الأشياء . وقد ساءني جهلك بحدود العقاب وبما تقابل به هذه الجرائر . أما تعلم أن الرعية وديعة الله عند سلطانها ؟ وأن الله يسائله عنها كيف سستها؟ ولعله لا يسألها عنه. ألا تدري أن أحداً من الرعية لا يقول ما يقول إلا لظلم لحقه أو لحق جاره، وداهية نالته أو نالت صاحباً له؟ وكيف نقول لهم : كونوا صالحين أتقياء مقبلين على معايشكم ، غير خائضين في حديثنا ، والعرب تقول في كلامها : غلبنا السلطان فلبس فروتنا ، وآكل خضرتنا ، وحنق المملوك على المالك معروف، وإنما يُحتَمَلُ السيدُ على صروف تكاليفه ،إذا كان العيش في كنفه رافغاً،والأمل فيه قوياً، والصدر عليه باراً،والقلب معه ساكناً، أتظن أن العمل بالجهل ينفع ، والعذر به يسع ،لا والله ما الرأي ما رأيت ، ولا الصواب ما ذكرت ، وجه صاحبك وليكن ذا خبرة ورفق، ومعروفاً بخير وصدق ، حتى يعرف حال هذه الطائفة ، ويقف على شأن كل واحد منها في معاشه ، وقدر ما هو متقلب فيه ومنقلب إليه ، فمن كان منهم يصلح للعمل فعلقه به ، ومن كان سيء الحال فصله من بيت المال بما يعيد نضره حاله، ويفيد طمأنينة باله، ومن لم يكن من هذا الرهط ، وهو غني مكفيّ ، وإنما يخرجه البطر والزهو ، فادع به ، وانصحه ، ولاطفه.
أسماء حمزة بدران