اسمها ضحية وهي بالفعل ضحية لبطش أبيها الذي تجرد من المشاعر الإنسانية وتفنن في تعذيبها منذ أن كانت طفلة لا لشيء إلا لإرضاء زوجته.. فربطها بالسلاسل والجنازير في سقف حجرة مظلمة وتركها معرضة لكل ألوان العذاب الذي لا يتخيله أحد, ومضت8 سنوات كاملة علي هذا الوضع المأساوي حتي ساق الله إليها رجال المباحث الذين حطموا باب الحجرة بحثا عن أختها غير الشقيقة المتهمة في جريمة قتل طفلة لسرقة قرطها الذهبي فكانت المفاجأة أنهم وجدوا ضحية التي ادعي أبوها أنها ماتت حتي لا يسأل عنها أحد!!
بدأت قصة اكتشاف الجريمة التي تعرضت لها ضحية ـ كما يقول العميد محمد فرج مدير مباحث كفر الشيخ ـ بالمصادفة عندما كنا نحقق ونبحث في قضية أخري متهمة فيها أختها غير الشقيقة سميرة إبراهيم التي استدرجت طفلة صغيرة اسمها عديلة عبد العظيم عمرها8 سنوات ثم خنقتها وسرقت قرطها الذهبي وألقت بجثتها في بيارة الصرف الصحي داخل نفس المنزل الذي تسكن فيه مع والديها في عزبة القواسم بمركز سيدي سالم بمدينة كفر الشيخ .
وبعد اختفاء الطفلة أبلغ والداها عن غيابها فشكلت المباحث فريق بحث بذل جهدا غير عادي حتي تجمعت التحريات والشبهات حول الفتاة القاتلة سميرة وألقي القبض عليها وكان من بين الاجراءات القانونية تفتيش ومناظرة المنزل الذي فوجئنا في احدي حجراته بالفتاة ضحية والتي يلقبونها بضحي مقيدة من يديها ورجليها وكان وجهها شاحبا وعلامات الضعف والإنهاك تغطي كل ملامحها وهي تبلغ من العمر26 سنة وعندما فتحنا باب الغرفة أصيبت بحالة من الهلع وأخذت تصرخ بهستيريا فأسرعنا إلي فك قيدها وأجرينا لها إسعافات أولية وقمنا بتحويلها إلي الطبيب الشرعي للكشف عليها واثبات الضرر النفسي والجسماني الذي أصابها وعلمنا منها ببعض التفاصيل وألقينا القبض علي والدها إبراهيم محمد الجعبري وزوجته دولت السيد عبد العال ووجهنا إليهما تهمة احتجاز ابنته وسجنها لمدة8 سنوات وتقييدها بالسلاسل والجنازير.
وتم تحويل أوراق القضية إلي النيابة العامة ووقف أهل الخير إلي جانب الفتاة وخصصت لها شقة صغيرة بجوار منزل خالها بقرية الحدادي لتكون تحت بصره ورعايته كما أهداها آخرون محلا صغيرا تبيع فيه الحلوي والمياه الغازية .
وتروي ضحية إبراهيم محمد محمد الجعبري قصتها منذ البداية فتقول: يبدوا أن أمي كانت تشعر بما يحدث لي بعد وفاتها إذ انها أطلقت علي اسم ضحية ولم يمض أسبوع واحد حتي رحلت عن الحياة وتولت جدتي لوالدتي رعايتي, فمنحتني الحنان والرعاية وظللت أعيش معها حتي أصبحت في الصف الرابع الابتدائي, ثم رحلت عن الحياة لأفقد كل ما تبقي لي من حنان .
ولم يكن هناك مفر من أن أعيش مع أبي الذي كان مشغولا بالزواج والطلاق وقد تزوج بعد والدتي مرتين وكنت حتي وفاة جدتي محرومة تماما من عطفه وحنانه وحتي رؤيتي له ولم يكن يسأل عني إلا بالمصادفة .
وبعد انتقالي للإقامة معه ومع زوجته بدأت المعاناة منذ اللحظات الأولي لدخولي البيت وتعمدت زوجة أبي اختلاق المشكلات وتفننت في اظهاري بمظهر سييء أمام أبي لكي يعاقبني ويقسو علي وكان اليوم الذي يمر علي بدون عقاب يمثل عيدا لي ولا أصدق نفسي أنني استطعت أن أنال رضا زوجة أبي .
وتحولت حياتي إلي جحيم, لكني تحملت العذاب حتي وصلت إلي الصف الثاني الإعدادي وجاءت اللحظة الفاصلة للفكرة الشيطانية التي توصلت إليها زوجة أبي حيث أقنعته وألحت عليه أن يجعلني أطالب خالي بميراثي من أمي لديه وكان عبارة عن4 قراريط أرض زراعية وكان خالي الفقير يعيش منها ويحنو علي ويساعدني بكل ما يستطيع بعد وفاة أمي وجدتي .
وللأسف الشديد استجاب أبي لإلحاح زوجته, وبدأت قسوته علي تزداد حتي أحقق مطلب زوجته بمطالبة خالي بالميراث لدرجة أنه كان يهددني بمنعي من الذهاب إلي المدرسة.. كل ذلك علي الرغم من عدم احتياجه حيث إنه يمتلك منزلا كبيرا ومحلا وماشية وحالته ميسورة وكل أهل القرية يعلمون ذلك وكانت أقسي اللحظات التي واجهني بها والدي عندما ذهب الي المدرسة وتسلم الدوسيه الخاص بي ومزقه أمامي ليحرمني من الدراسة واستكمال تعليمي كنوع من الضغط علي ولم يعبأ بتوسلاتي اليه بأن يوافق علي استمراري في التعليم وأمرني بأن أكون خادمة متفرغة تماما لزوجته التي زادت قسوتها علي .
وقررت في مواجهة هذه الحياة المستحيلة أن ألجأ إلي خالتي التي تعيش في المنيا لترحمني من هذا العذاب وتساعدني في الرجوع إلي دراستي وتعليمي الذي حرمت منه كل هذه السنوات, وفعلا ذهبت اليها بعد أن غافلتهم ولم يشعروا بخروجي من البيت وهاج والدي واعتبر ما فعلته انتصارا لي عليه, فأخذني من عند خالتي بالمنيا وأصر علي اعادتي معه الي بلدتنا وكنت وقتها أقوم بتجهيز أوراق استخراج بطاقتي الشخصية.. وبدأت مرحلة جديدة من العذاب حيث حضر لأبي وزوجته فكرة تقييدي بالجنازير والسلاسل الحديدية وكنت خلال السنوات الأربع التي تلت عودتي من المنيا مسخرة لزوجة أبي وأقوم بكل أعمال المنزل من اعداد الطعام بتنظيف المنزل ورعاية الطيور والماشية وغسل الملابس.. وفي نهاية اليوم كان يتم حبسي مقيدة بالسلاسل والجنازير في حجرة بالمنزل لها شباك واحد صغير مغلق تماما بالمسامير والسلك والحديد.. والسلاسل والجنازير مشبوكة من أحد اطرافها في جنش بالسقف والطرف الآخر ينتهي بالقفل حول قدمي ويدي, ومفتاح هذا القفل مع زوجة أبي, وكانت الحجرة عارية تماما من أي فرش أو سرير أو حتي سجادة أو كرسي.. كانت علي البلاط.. واستمر هذا الحال أربع سنوات استكثروا علي فيها انني كنت حرة داخل البيت نهارا مقيدة بالسلاسل ليلاً !
أما السنوات الأربع الأخري فقد استكثروا علي فيها اطلاقي في النهار وتم حرماني حتي من مغادرة الزنزانة أو الغرفة التي حبسوني فيها وكانت في الطابق الأول بعد الأرضي.. أما الطعام الذي كانت تقدمه زوجة أبي لي فهو عبارة عن طبق صغير به نوع واحد من الطعام وبدون خبز ولايكفي لطفل صغير وكنت في ايام صيامي عندما أتجرأ وأطلب مزيدا من الطعام ترفض زوجة أبي وتقول إن هذا هو الموجود وإذا لم يعجبك أرميه للطيور والماشية الأفيد والأولي منك .
وحتي دخول الحمام كان يستلزم أن أنادي علي زوجة أبي لتفك القيود وتفتح القفل وتمسكني من يدي الي الحمام حتي تعيدني مرة أخري وتعيد السلاسل والجنازير والقفل حول يدي وقدمي ولاتزال عبارات التشفي والأذلال التي كانت تنطلق من فم زوجة أبي أسمع صداها في أذني حتي الآن وأنها لا تستريح إلا وهي تضع مفاتيح القفل في صدرها وتتمتع برؤيتي مسجونة ومقيدة أمامها وكنت دائما أردد لها.. بأن الدنيا لا تدوم لأحد وأن لكل بداية نهاية وأن الآخرة قادمة وسيكون الظلم عند المولي عز وجل ظلمات يوم القيامة .
وركزت حياتي في هذه الحياة المستحيلة علي التسابيح والدعاء والمناجاة لله وكنت دائما مع الله لا يفوتني فرض من فروض الصلاة أو العبادة وكنت أصلي علي جانب واحد لأن الجنازير حولي يدي ورجلي تمنعني من الركوع والسجود في الوضع المألوف ولم أكن أشعر بالراحة إلا مع صوت الآذان في ميكروفون الجامع الواقع أمام منزلنا, وكنت أصوم رمضان كما أصوم أيضا أياما كثيرة تطوعا وأدعو الله وأنا صائمة أن يفك أسري وسجني وكنت علي يقين من الاستجابة لأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله أي حجاب .
وبعد فاصل من البكاء والدموع التي لم تستطع ضحية أو ضحي كما ينادونها ان توقفها.. استكملت الحديث وقالت من المواقف التي لا أنساها ايضا: انني توسلت لأبي وزوجته أن يقوما بفك الجنازير والسلاسل في أحد الأعياد وكانت تكبيرات العيد تملأ البيت من المساجد والميكروفونات حولنا واستعطفته أن أفطر مع أولاده الأربعة وزوجته وكان رده أن أمثالي ليس لهم عيد أو موسم .
ولكيلا يسأل عني أحد أشاع أبي وفاتي في أثناء زيارة قمت بها لأقارب أمي وكان يعاتب من يشك في أنه سيسأل عني بأنه لم يعزيه في وفاتي ليبعد عنه أي شبهة !!
وعن مشاعرها تجاه والدها وهو موجود الآن في السجن ـ تقول ضحية ادعو بكل الصدق أن يعفو المولي عنه ويغفر له ويسامحه فإنه في كل الأحوال والدي ولايجوز أن أشمت فيه وتختم ضحية حديثها مع المجلة بأنها في أثناء حبسها كانت قد نذرت نذرا بأن تتبرع بما تستطيع لصندوق رعاية الأيتام كما أنها ستصوم صيام تطوع بمجرد أن تسترد عافيتها ويتم شفاؤها بإذن الله.
وعندما تجولت الشباب داخل وحول المنزل التي كانت ضحية محبوسة فيه التقت مع بعض الجيران وسألتهم عن رأيهم فيما حدث.. فقال أكرم عيد عطية العربي ويعمل بمهنة المحاماة في نفس القرية.. والد ضحية ابراهيم الجعبري رجل شديد ومن الصعب التعامل معه ونحن كجيران كنا نتجنب الحديث معه ونتقي شره أما عن ابنته فهي بنت بسيطة ويتيمة ومغلوبة علي أمرها وفجأة بعد أن لاحظ الجيران عدم ظهورها سمعنا من والدها أنها ماتت في أثناء زيارتها لأحد الأقارب. وتقريبا كل القرية التي تسكن فيها تعرف خبر موتها وكانت المفاجأة عندما شاهدناها بصحبة البوليس وهي تخرج من المنزل خلال التحقيق في حادثة أختها غير الشقيقة سميرة.. وكانت ملامحها قد تغيرت تماما وجسمها أصبح نحيلا وظهر عليها الضعف والوهن ولم نصدق أن هذه الفتاة أمامنا هي البنت الجميلة التي كانت تمتلئ بالحيوية والنشاط.
وقال خالد ابراهيم العويضي: لم نر ضحية منذ سنوات, واعتقدنا فعلا أنها ماتت حسبما أشاع والدها وداخل مركز سيدي سالم بكفر الشيخ حاولت الشباب سؤال الأب وزوجته وعما فعلته بابنته فثار ثورة عارمة وقال ياناس هو اللي يخاف علي ابنته ويحافظ عليها يبقي بيعذبها.. كل خوفي عليها أن تخرج بدون علمي وتهرب كما فعلت من قبل وذهبت إلي خالتها في الصعيد.. أنا لا أنكر أنني كنت أقيدها بالسلاسل والجنازير ولكن مافعلته كان بدافع حرصي عليها وكان ذلك فقط أثناء وجودي خارج المنزل لكي أحميها من نفسها أما زوجته دولت السيد عبد العال فكانت تتكلم بثقة وتحاول أن تبدو غير متأثرة بأي شئ يدور حولها كما كانت قليلة الكلام.. وكل ماقالته.. أبوها وهو حر فيها, يؤدبها كما يريد وليس لي أي دخل فيما حدث وأنكرت انها كانت تعذبها وتعاملها معاملة قاسية.
وعن تحليل الطب النفسي لما تعرضت له ضحية يقول الدكتور علي موسي أستشاري الأمراض النفسية والعصبية بمستشفي الدكتور جمال ماضي أبو العزائم: إن نموذج الأب في هذه الجريمة يمثل أحد أنواع الشخصيات المضطربة المنتشرة بنسب متفاوتة في مختلف شرائح المجتمع, فهناك بعض الشخصيات تظهر فيها سمات الأنانية المطلقة مع عدم تقدير مشاعر الآخرين وأحاسيسهم والحرص علي الحصول علي كل المزايا مادية أو معنوية, مع تحجر العواطف أو عدم وجودها علي الإطلاق وتحطيم أي عائق يقف في سبيل الحصول علي المصالح والمآرب الشخصية دون مراعاة لاي قواعد دينية أو أخلاقية أو انسانية وما إلي ذلك.. فهذا الأب اعتبر ابنته بما لها من ميراث ملك خاص له وحقا لاينازعه فيه احد وساعد في تأكيد هذا الشعور تحريض زوجة الأب فلجأ الي وسائل لاتقبلها الوحوش الضارية في الغابات مع مواليدها ولاشك أن تعدد الزوجات وكثرة عدد الأبناء والبنات يؤدي إلي تفكك الأسرة لدرجة أن الأب قد لايعرف أسماء أبنائه وقد يخطئ في أسمائهم عندما ينادي علي أحدهم, وقد ينجب عددا كبيرا كرمز للتفاخر بالقدرة والبطولة أو كمصدر للحصول علي الأموال مقابل عملهم في الحقول باليومية وهناك جانب آخر في هذه الجريمة هو
تواطؤ زوجة الأب والأخوه والأخوات غير الاشقاء في التحريض أو السكوت أو عدم محاولة مساعدة هذه الفتاة البائسة إما خضوعا لسيطرة الأب أو خوفا من عقابه..
ولابد أن تخضع هذه الأسرة المفككة لدراسة نفسية واجتماعية مفصلة لكي نعرف كيف وصلت الأمور لهذا الحد المؤلم.