هناك اختلاف بين الأديان والعلم في تعريف النفس, ويختلفان أيضا في طريقة تحليلها أو توقعها أو فهمها أو انعكاساتها على أرض الواقع. وهذا الاختلاف الشديد وعدم اعتماد المنهج الديني أية أسس علمية في الأساس, أثر بشكل كبير على طريقة تفكير الإنسان المتدين بشكل عام والإنسان العربي بشكل خاص, وطريقة المعالجة لكل الظروف التي يمر بها …هذا الخلل الذي سببته الأديان أثر بشكل كبير على الحياة العامة، كما أثر وما زال يؤثر على أصغر مجريات الحياة في المجتمعات العربية …
لنبدأ بشكل سريع ولمحات أسرع :
الإنسان يتكون من جزء مادي بما نسميه الجسم , وجزء معنوي بما نسميه النفس أو الروح وهذه التسمية تختلف من مكان إلى آخر..
الجزء المادي, بما أنه واضح لا يُختلف عليه, وإنما كان الاختلاف وما زال على تعريف أو طريقة تعريف الجزء المعنوي ” النفس أو الروح ” ..
الأديان تعرف النفس على أنها الروح, والروح مصطلح ذو طابع ديني وفلسفي, وهي ذات طبيعة معنوية مكونة من مادة أثيرية, وأن الإنسان عبارة عن جسد تسكن فيه الروح ..
وهناك اختلاف وجدال بين الأديان والفلسفات على تعريف الروح ووظيفتها ومنشئها وانتقالها. والترجمة العبرية لكلمة الروح هي نفيش Nephesh وهي أقرب لكلمة النفس العربية، أما كلمة الروح بالعربية فهي قريبة جدا من كلمة ريح مما جعل البعض يعتقد أنه مصدر ومعنى كلمة الروح ، ومما زاد من صحة هذه القناعة لدى البعض أن الروح تنفخ كالريح، ولكنها ليست ريحا بمفهوم الريح. ” الموسوعة الحرة “.
النفس في العلم أو في علم النفس : وهو العلم الذي يدرس سلوك الكائن الحي, والسلوك مجموعة من التصرفات. إما أن تكون حركية أو لفظية أو باطنية فكرية واعية أو غير واعية…
ويعرف أيضاً : هو العلم الذي يدرس الظواهر النفسية لكي يصل فيها إلى استنتاجات كلية وعامة, ويتوخى الوصول إلى قوانين التي تحدد السلوك البشري….
وإن استخدام كلمة علم النفس هي الخطوة الأولية والبدائية في استقلال علم النفس عن الفلسفة الماورائية حيث كان علم النفس يسمى بـ علم الروح أو الفكر أو علم العقل…
المشكلة في البداية …
إن تعريف النفس والروح في الأديان غير علمي, وغير معتمدة على منهج علمي واضح, وإنما هي مثيولوجيا متطورة من جيل إلى جيل على أساس متوقع وغير محسوس أو مقاس, وهي معتقدات لا ترتقي إلى مستوى البحث العلمي لخضوعها إلى كثير من الآراء والمعاير الشخصية, وعدم اعتمادها بحث علمي واضح لعدة أسباب. وهي تختلف من دين إلى آخر.
المشكلة في الوسط..
المشكلة في الأديان عدم تعريفها للنفس بشكل علمي وصحيح كما أسلفنا, ولكن بالمقابل لم يكن لدينا في الماضي هذه المخطط العملي الصريح, أو الوسائل العلمية الموجودة الآن. وكانت تختلط كل من الفلسفة, والنفس, وبدايات العلم مع بعض, مثل التنجيم وعلم الفلك سابقاَ….
وبما أن الأديان بنت تعاريفها وقوانينها على تعريف الروح والنفس الغير العلمي والذي لا يعتمد على أسس علمية, وهي لم تتطور بطبيعة الحال لتواز التطور الذي حدث في علم في النفس أو في العلم بشكل عام. فهذا القصور المعرفي في الأديان باتجاه علم النفس الدقيق خصوصا, أدت إلى ظهور قوانين تودي بالإنسان إلى عدم الاتزان ” وهنا مربط الفرس, وقمة المشكلة “.
– هناك أمثلة كثيرة على عدم الاتزان النفسي والجسدي التي تنتجه الاديان, مثل عدم التفكير المنطقي والتحليل للأمور, وعدم الفهم الواضح والدقيق للذات الإنسانية, ومن الأمثلة الواضحة لمعالجة الأديان الخاطئة للنفس البشرية على أرض الواقع, هي موضوع فصل الذكر عن الأنثى ووضع حواجز فكرية ونفسية ومادية بين الاثنين. وسندرس الفرق بين طريقة العلاج العلمية, وطريقة علاج الأديان لهذا الموضوع .
في الكثير من الدول المتدينة التي تعمل على فصل الذكر عن الأنثى في كل مناحي الحياة والمقصود فيه. إنه كلما زاد الانفصال بين الذكر والأنثى, قل تفكير الأول بالثاني والعكس صحيح, وخصوصا التفكير الجنسي, وبالتالي تؤدي هذه الطريقة إلى قلة المعصية وزيادة العفة… وهذا طبعا من وجهة نظر الدين التي وضعها شيوخنا الأفاضل ….
أما من ناحية علم النفس الحقيقي, فإن أي فصل بين الاثنين يزيد من احتياج الذكر للأنثى والعكس صحيح, وذلك لعدة أسباب ..
أولا : لأن هذا الفصل يعمل على تحفيز أو تحرير الرغبات الدفينة في العقل الباطن, وهذه الرغبات التي ممكن أن تبقى دفينة في حال لم يتم هذا الفصل ” ونقصد بالرغبات هي الحاجات المرضية التي تتخطى الأمر الطبيعي “. فالحاجة التي لم تشبع تدفع الكائن الحي بلا شعور إلى العمل على إشباعها مما يؤدي تخفيف التوتر الناجم عن هذا النقص … ولكن إذا لم يستطع الإنسان إشباع هذه الحاجة وعلى فترة طويلة, ستسبب له أمراض نفسية وبيولوجية وسيتحول إلى الطرق البديلة, منها الجنس الالكتروني التي تكلمنا عنه في المقال السابق….
ثانيا: إن كل شيء ممنوع مرغوب, وبناء على ما سبق كل شي تريد لفت الانتباه له فقط امنعه, وأن الإنسان بلا شعور وتحت رغبة الفضول سيبحث عن اسباب المنع….
ثالثا: والأهم أن الإنسان بنيت نفسه, وتطورت طريقة تفكيره بناء على مراحل تطوره القديمة, فالإنسان القديم كان يتعامل مع الأنثى بكامل مناحي الحياة بشكل طبيعي جدا. فالنفس البشرية لكل طرف تحتاج الطرف الثاني, وليس فقط في الجنس ولكن فقط أن تبقى بجانبه أو بجانبها, حتى تسبب له أو لها ما يسمى بـ ” التوازن النفس أو الجسدي” ..
ولكن عندما وضع الإنسان قيودا من الأفكار والعادات والتقاليد والحواجز المجتمعة بين الطرفين. أصيب كل طرف بخلل في التوازن النفسي أولاً, والجسدي ثانياً, وهذا الخلل في التوازن سبب ما يسمى بالإحباط، والأمراض النفسية والجسدية والمجتمعية كثيرة أيضا ..
وهذه الحالات المرضية التي تنجم عن هذا الفصل غير الطبيعي وغير العلمي بين الاثنين، تتحول مع مرور الزمن إلى حالة مستعصية ورديئة جدا من حيث القيم الأخلاقية, فإن هذا الفصل سيسبب في البداية الكبت, وهذا الكبت إن لم يجد منفذا طبيعيا, سيتحول إلى الطرق غير الطبيعة وغير المقبولة والتي تكثر الآن في المجتمعات المحافظة مثل الشواذ وسفك المحارم والممارسة مع الحيوانات, وباقي الأمراض الجسدية التي تنجم عن هذه الأفعال الشاذة …
وإذا نظرنا بشكل سريع إلى الدول المتدينة, والتي تزيد من فصل الذكر عن الأنثى, سنرى بكل وضوح وعبر تقارير مدى استفحال الأمراض النفسية في هذه المجتمعات, وإذا تابعنا ما يطلبه أفراد هذا المجتمع من نوعية جنس على الانترنت لوقفنا مذهولين ومشمئزين لما يجري. وما مدى التغير في الذوق العام والاتجاه الطبيعي للإنسان الطبيعي , وهذا التغير المرضي الذي يجري في هذه المجتمعات إلا نتيجة للكبت الناتج عن الفصل, وسنرى أيضا خلافاً لذلك مدى حجم تقزيم الهائل الإنسان والإنسانية في هذه المجتمعات..
أما في الدول المتحضرة, والتي لا تضع فواصل بين الجنسين, يكون الإنسان طبيعيا جدا ويفكر ويحلل ويمارس حياته بشكل طبيعي بعيدا عن وطأة أية حاجة ما..
والمشكلة الكبرى التي أثرت على المجتمع العربي وطريقة تفكيره بعد كل هذا الكلام أعلاه، أنه عندما يكون هناك حاجات لم تشبع بشكل دائم في الإنسان, وهو لا يستطيع أن يلبيها, سيتحول الدماغ بشكل آلي إلى التفكير بهذه الحاجات بشكل مطول, وسيتحول كل تفكيره إلى تفكير بكيفية تعويض هذه الحاجات, لذلك نجد الإنسان العربي همه الأول والأخير هو التفكير بشكل كبير في الأمور الجنسية فقط لفقدانه الطرف المقابل …
الأمراض النفسية الناتجة عن الكبت, والطرق البديلة والطرق غير طبيعة وغير أخلاقية أو إنسانية نهائيا, هي إمراض أخطر بكثير من الجنس الطبيعي, والذي يخشى منه شيوخنا الأفاضل.. وهذه الأمراض ظهرت نتيجة الحل الغبي وغير علمي للمشكلة, وهي ليست بمشكلة ولكن الإنسان غير المختص يصنع من أي شيء مشكلة, ليكون عنده الحل فقط, طالما أنه يملك فكرا ولحية يظنها أطول من كل فكر إنساني….
هذا المثال, هو السبب الأساسي لما وصلت إليه المجتمعات العربية من تخلف بكامل المقاييس نتيجة تغير طريقة التفكير, والتفكير المطول في أمور كانت روتينية وبسيطة وطبيعة, ولكنها بفضل الشيوخ الأفاضل أصبحت مشاكل مستعصية في الدماغ العربي …
وهذا المثل أيضا يفضح بشكل كبير الفرق بين التفكير المتوارث وغير العلمي, وحلوله الغبية, وبين التفكير العلمي والحلول التي لم يقدمها, ولو قدمها, لقدمت الكثير من الحلول للإنسان العربي ولمشاكله المستعصية والمتجذره…
لذلك يجب تطوير الأديان وقواعدها, وفق ” النفس ” كعلم حقيقي يأخذ بالمسببات والأعراض, وكيفية العلاج, ويستنبط إسقاطاتها على المستقبل. لا كمثيولوجيا وأفكار متوارثة لا تقدم ولا تؤخر ولا تطور, إلا في حدود ما يطور في عقول الشيخ الأفاضل …