الكتابة تشبه لحظة الغفوة, فأنت لا تستطيع الانتباه للحظة التي تنام فيها أو كيف تنام، لأنه إذا كنت منتبهاً لهذه اللحظة تبقى يقظاً. كذلك حين تكتب لا تستطيع الانتباه للحظة التي تكتب فيها أو كيف تكتب, فإذا انتبهت لن تتمكن من الكتابة. فالكتابة تأتيك كالوحي, بدون أن تشعر تجد يدك ترقص مع القلم وتولد الكلمات. وإذا دققت في طريقة الرقص هذه, تنسى كيف تكتب, لذلك عليك في لحظة الكتابة أن تطلق العنان لمخيلتك ثم أصابعك. أن تكتب كل ما يخطر في بالك, ففي الكتابة لا يوجد محرمات أو أيديولوجيات, ولا حدود للخيال ولا حواجز …
إذا عليك عندما تريد أن تكتب، أن تسلم يديك للقلم أو للوحة المفاتيح وتذهب بعيدا عن درب الكلمات……
التعامل مع القلم أو لوحة المفاتيح ..
ككل أداة جديدة تحتاج إلى تمرين لتجيد استعمالها. في البداية تتعامل مع القلم أو لوحة المفاتيح, ولا بدّ أن التعامل معهما صعب ويحتاج إلى وقت, فالرقص مع القلم ليس بسهل, وكيفية الضغط على رؤوس الأحرف صعبة جداً. فعليك إذا..
أولاً: أن تفكر بطريقة منطقية أو جنونية, المهم أن تكون الطريقة خارجة عن المألوف…
ثانيا: أن تصل إلى مرحلة الوعي التي تخولك أن تكتب…
ثالثاً: أن تبدأ بنظم أفكارك بشكل فعلي…
ثم تبدأ بتدريب أصابعك على الكتابة و تبدأ بالعمل, كما عليك أن تعمل بشكل طويل وبهمة قوية. ستسمع الكثير من الملاحظات السلبية التي ستزيدك إصرارا على المتابعة, كما أنه من الممكن أن تفقد صبرك فتكسر القلم وتضرب لوحة المفاتيح, لذلك يجب عليك، أن تسمع موسيقى كي تغذي بها روحك من جهة, وأن تأكل الحروف لكي تغذي بها عقلك من جهة أخرى. فكل وعاء ينضح بما في، وكل إنتاج فكري ليس بالضرورة أن يكون جيداً. ولكن مع الممارسة المستمرة ستتطور طريقة رقصك مع القلم وطريقة ضربك لرؤوس الأحرف, والذي يساعد هذا التطور بشكل كبير ما تمتلكه من مخزون ثقافي ومعرفي.. وفي النهاية ستجد نفسك ترسم الحروف رسماً أو تضعها بجانب بعضها. لتخدم فكرتك أو لترسم مشاعرك أو تعزز جمالك أو لتظهر قبح هذا العالم أو لتزين جماله …..
الإبداع ..
الإبداع هو كل شيء خارج نطاق المألوف أو المتعارف عليه, والإبداع ليس بالضرورة أن يحمل معايير جمالية, وليس فقط في الأدب بل في كل المجالات. والإبداع لا بدّ أن يكسر القاعدة, أي أنه من غير الصحيح أن تحكم على الإبداع من وجه نظر قواعدية أو تقليدية. لذلك عليك أن تحكم على الإبداع في كل اختصاص على حدا, بحسب الفائدة المرجوة منه..
فالإبداع إما أن يكون إبداعاً جمالياً دون أن تشمله القواعد التقليدية, وإما يكون إبداعاً جديداً يتماشى مع العصر المتطور, أو يكون إبداعاً ذا فائدة ما ..
هناك أمران..
الأول: على الشخص المبدع..
أّولاً: أن يكون ماراً على كل قواعد السابقة للموضوع أو الاختصاص أو المادة الذي يريد الإبداع فيها. كي يكون الإبداع مبني على القاعدة وليس كلاماً فارغاً من جهة. ولكي لا يمر الكلام الفارغ تحت راية الإبداع من الجهة المقابلة….
ثانيا: أن يعتمد على الذائقة العامة للمتلقي, فالمتلقي هو الأساس وهو المعيار, وهو القاعدة الأساسية, وعندما تتغير الذائقة العامة يجب علينا تغيير القواعد وفقا لها. أو أن نحاول تهذيب هذه الذائقة, لكي يبقى ” الأدب, الشعر, الفن …… ” قريباً من الإنسان…
الثاني: على المتلقي أو النّاقد، والذي بحكم العادة يملك تحته كرسيا أو مركزا يخوله أن يحكم. عليه أن يستقبل هذا الإبداع خارج نطاق المألوف لديه, ويجب أن يكون ذكيا لكي يستطيع أن يقيس الذكاء أو الإبداع …
أخيراً…لا تدع ورقاً ابيض ..
إذا كان في نفسك أي شيء تقوله, عليك أن تقترب من القلم أو لوحة المفاتيح, ودع قلمك أو أصابعك تكتب ما تشاء .. الأصابع والأقلام تهذب نفسها بنفسها, فلا تدع ورق ابيض إلا ولوثه بأحرفك . فاللون الأبيض مغرٍ للكتابة, والصفحة العذراء تحتاج إلى من يحفر أنامله وأحرفه فيها, لكي تنجب كلاما يهز النفوس والعقول, ويهذب الإنسان ويشق طريق الإنسانية..
الكتابة سيف ذو حدين, في الأول.. يحبط الإنسان, يؤخره ويخلفه, يجعله أقرب إلى الحيوان أو يزيد من عنفه, ويقلل من أخلاقه…..
في الثاني.. يعيد الإنسانية إلى مكانها الطبيعي فتجعل من الإنسان إنسانا بحق, يرقى بإنسانيته, ويصقل روحة ويزيد من أخلاقه, ويزرع الفرح في النفوس, ويقوم العقول…..
الخطيئة الكبرى هي أن تجد ورقا أبيض ولا تكتب أو تعبر عن نفسك, فالإنسان ليس إنسان. ” إنما الناس سطور كتبت لكن بماء ” كما قال نبي الإنسانية جبران خليل جبران, لذلك حاول أن تزرع جمالك وأفكارك على الصفحات لتثمر إنساناً وإنسانية في المستقبل …