كتبت : سهير توفيق
قتل الأبناء جريمة غريبة أطلت برأسها على المجتمع، لأنها جريمة عكس الفطرة فقد تركت وراءها دهشة وخوفاً وذعراً بين كثيرين، كما تركت جدلا لم ينته بعد ،أصابع الاتهام تجاوزت الوالد القاتل إلى شركاء آخرين، أخطرهم إساءة فهم النصوص الدينية إلى حد اعتقاد أن الأبناء ملك لآبائهم يتصرفون فيهم كيفما شاءوا بما فى ذلك الإيذاء وإزهاق الأرواح.
هشام أنور الأستاذ بكلية التربية جامعة الأزهر يرى أن المرض النفسى وإدمان تعاطى المخدرات وغياب الوازع الدينى وانعدام الرحمة، وراء ظهور مثل هذا النوع من الجرائم، بالإضافة إلى أن هناك من يستغل “عمداً” النصوص الدينية الداعية إلى بر الوالدين والإحسان إليهم فى تبرير ظلمهم لأبنائهم، وبخسهم حقوقهم، وإيذائهم إلى حد القتل.
اللواء حسام لاشين مساعد وزير الداخلية الأسبق أكد أنه يوجد حوالى 70% من حالات الاعتداء على الأطفال خلال العام الماضى وقعت من الأب أو الأم، أما نسبة 30% الباقية فقد حدثت من الإخوان وزوجة الأب وبقية الأقارب.
وترجع كثرة الاعتداءات على الأطفال من الآباء والأمهات إلى نظرة خاطئة فى المجتمع لدى بعض الآباء، حيث يعتبرون أطفالهم ملكية خاصة، لهم الحق فى التصرف فيها كيفما شاءوا، وهى فكرة تتصل بالتقاليد وتتنافى مع حقائق الشرع.
وأضاف لاشين قائلا إن قضية تعذيب الأطفال من قبل أبائهم ارتفع عددها فى الفترة الأخيرة، خاصة فى المحافظات النائية مثل 6 أكتوبر، التى شهدت خلال الأيام السابقة عدة حوادث من هذا القبيل، كان من بينها حادثه الطفلة “مريم” بمركز أوسيم بمحافظة 6 أكتوبر، التى تم ربطها بسلاسل وضربها بطريقة وحشية، وإلقاء الماء المغلى على جسدها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة.
د.على الخطيب العميد الأسبق لكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر يرى أنه ليس هناك سبب منطقى للجوء الآباء لمثل هذه الوحشية فى التعامل مع صغارهم، مؤكدا أن ما فعلته الأم وزوجها مع الصغيرة “مريم” من ضربها بشكل وحشى وإلقاء الماء المغلى على جسدها لا يمت إلى التربية بصلة، وإنما هو من باب العدوان على الأنفس البريئة، لأن هذا العمل مخالف لما أوصت به الشريعة الإسلامية من العناية بالأبناء وتربيتهم التربية الحسنة والمحافظة عليهم لأنهم نعمة كبيرة من الله، والفطرة السليمة تأبى هذا الفعل.
د.علاء جاد الكريم طبيب نفسى أكد أن أسباب العنف الأسرى نابعة من أثر عميق، سواء حدث فى الماضى أو الحاضر، والأسباب ذات الجذور القديمة تكون نابعة من مشكلات سابقة أو عنف سابق، سواء من قبل الآباء أو أحد أفراد العائلة، أما الأثر الحاضر فتكون جذوره مشكلة حالية، فعلى سبيل المثال فقدان الزوج أو الأب عمله، قد يدفعه إلى ممارسة العنف على أولاده، وبالتالى فإن الشخص الذى ينحدر من أسرة كان يمارس أحد أفرادها العنف عليه، فى أغلب الأحيان سيمارس نفس الدور، لذا من الضرورى معرفة شكل علاقة الأم المعتدية على أولادها بوالدتها فى صغرها، وفى الغالب تكون تعرضت هى نفسها للعنف، لذا فبالنسبة لها تعتقد أن ما تقوم به من عنف تجاه أولادها هو أمر عادى، كونه مورث عليها ومن حقها اليوم أن تمارسه مع أبنائها.
كما أن هناك أسباباً أخرى، وهى عدم قدرة الأم على التأقلم مع مجتمع غريب عنها، فتتحول حياتها إلى كتلة من الضغوط النفسية والاجتماعية، فتجبر على ممارسة العنف لكونها لا تستطيع أن تعبر عن حزنها وغمها، فتفجر الأزمة فى أولادها.
وفى معظم الأحيان يكون الضحية الطفل البكر، وفى بعض الحالات يتجه عنف الأم إلى ابنتها لأن حماتها تخصها بمودة كبيرة، فى حين لا تكون الأم على وفاق مع حماتها، فتصب غضبها على ابنتها، وفى بعض الأحيان قد يلجأ بعض ضحايا العنف من الأبناء إلى الشرطة، إلا أن الشرطة لا تأخذ بشكوى ابن على والده أو والدته، وبالتالى فإن مثل هذه الحالات نادرة جدا.
ومن جانب آخر فى حال لجوء الأبناء الذين تعرضوا للعنف من آبائهم إلى الشرطة، فلا تستطيع حمايتهم لعدم توافر أماكن خاصة لذلك، وإذا ما قدم شكوى فلا بد من وجود أدلة وشهود، ولا أحد من الإخوة يجرؤ على الشهادة ضد أمه أو والده، فيرجع المتعرض للعنف من الوالدين مهزوماً إلى منزله ويفقد احترام وتعاطف الآخرين معه، إضافة إلى زيادة حدة العنف عليه.