مصر فى عهد نظيف.. خمس سنوات كوارث !
خمس سنوات.. فترة زمنية كافية تسمح لأي حكومة بوضع خطط الإصلاح وتنفيذها، ومن ثم محاسبتها؛ فمنذ ما يزيد عن 60 شهرًا تولَّت حكومة رجال الأعمال المصرية المسئولية برئاسة الدكتور أحمد نظيف، وسط تفاؤل حذِر على المستوييْن المحلي والدولي، سرعان ما تلاشى، مع تفاقم وهن الحكومة وتفتُّت عضدها، وغياب رؤية وإستراتيجية سليمة، أضعف من قدرتها على أداء دورها وقيادة معاركها ؛ حيث رسمت حكومة نظيف فى برنامجها منذ خمس سنوات مجموعةً من الأحلام ، وما زالت تلك الأحلام خارجَ حيِّز التنفيذ حتى الآن، ليس هذا فحسب، بل تزايدت معها الأزمات والكوارث.
وأمام توالى الأزمات الداخلية أو الخارجية أثبتت الحكومة عن جدارة فشلها الساحق فى إدارة تلك الأزمات والكوارث؛ ما جعلها تدور فى نفس حلقة الفشل المفرغة التى سلكتها أيضاً الحكومات السابقة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت من أبرز الأزمات والكوارث التى أخفقت فيها حكومة رجال الأعمال على مدار السنوات الخمس الماضية أزمة ألبان الأطفال الفاسدة ، التي تسبَّبت فى تسمُّم عدد كبير من الأطفال، وحادث العبَّارة” عبارة السلام 98 ” التى راح ضحيتها ما يزيد عن ألف مصرى ماتوا غرقًاً عام 2006م، وفى نفس العام ظهر وباء إنفلونزا الطيور، والذي خلَّف خسائر مادية تجاوزت حاجز الـ800 مليون جنيه، فضلاً عن زيادة حوادث الطرق ، إلى جانب حوادث القطارات التى وصلت إلى 59 حادثة من الحوادث الثقيلة، راح ضحيتها آلاف المواطنين؛ حيث خلَّفت حوادث الطرق وحدها هذا العام فقط أكثر من 9 آلاف قتيل، و60 ألف جريح والتي خلَّفت خسائر وصلت إلى 16 مليار جنيه!.
وعلى الصعيد الاقتصادى تصدَّرت مصر قائمة الدول الأكثر فقراً ؛ حيث احتلت المركز 111 بين دول العالم الأكثر فقراً، طبقاً لتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2008م ، وفى هذا الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري من التدهور أصرَّت الحكومة على تصدير الغاز للكيان الصهيونى بسعر 2.5 دولار للوحدة، على الرغم من أن سعره في السوق العالمي يتراوح بين 15 إلى 16 دولارًا!!، فضلاً عن انخفاض معدَّل النمو إلى 4%، وتفاقم الدَّين المحلي والخارجي تفاقم إلى 110% من الناتج المحلي الإجمالى ، ووصل عجز الموازنة إلى 95 مليار جنيه ؛ أى بنسبة 5.9% من الناتج المحلي بجانب زيادة البطالة، إلى جانب تسريح العمالة.
وفي مجال الزراعة تمَّ استيراد بعض الصفقات الفاسدة كصفقة القمح الروسي الفاسد، إلى جانب صفقة الذرة الفاسدة القادمة من أوكرانيا، التي تحمل بعض البذور الفاسدة لنبات ” القنب “.
أما فيما يتعلق بصحة المصريين فترصُد الإحصاءات وجود 9 ملايين مريض بفيروس “سي”؛ 5.8 ملايين منهم في حالات ميئوس منها، وهناك حوالي 3 ملايين مريض بالفشل الكلوى ، ومثلهم بالسرطان، وغيرهم بالإعاقة ويصل عددهم إلى 8 ملايين معوَّق لم يصل حجم الخدمة المقدَّمة لهم إلى 4%.
كذلك لم يسلم التعليم والمعلمون من تحمُّل أخطاء هذه الحكومة ، وذلك بإعادة السنة السادسة للتعليم الابتدائى ، ولم تضِف شيئاً إلى التعليم ، بل أضافت مشكلات أخرى لطلاب سنة الفراغ ، وهم مهدَّدون حاليًّا بالرسوب، بالإضافة إلى قانون الكادر الخاص، وهى فى الأساس تعديلات على قانون التعليم الذي يعدُّ من أكثر إخفاقات الحكومة فى مجال التعليم الذي لم يُضِف شيئاً إلى جودة أداء المعلمين.
ودخلت الحكومة فى مواجهات عنيفة مع جميع فئات الشعب ؛ نتج منها العديد من الإضرابات والوقفات الاحتجاجية والتظاهرات المندِّدة بسياسات الحكومة في مختلف المجالات.
(الرأى الحر) تطرح سؤالاً : هل تقرُّ الحكومة بإخفاقها أم أن ذلك سيبقى دائمًا تقييم الآخرين فقط؟! ويبقى السؤال الأكثر إلحاحًا هو: ألم يحِن وقت رحيل الحكومة بعد ؟!
سياسات فاشلة
بدايةً يؤكد الدكتور شريف دولار أستاذ الإدارة والاقتصاد بجامعة الإسكندرية وعضو لجنة السياسات في الحزب الوطني سابقًا أن الحكومة أثبتت فشلها في تولي المسئولية، وأثَّر ذلك في البعد الاجتماعي، كما تراجع الوضع الاجتماعي كثيرًا فزادت معدلات الفقر والبطالة.
ويُرجِع دولار سبب فشل حكومة نظيف في تحقيق البعد الاجتماعي إلى اتباعها للتوجُّهات الاقتصادية التي سادت العالم، خاصةً في فترة الألفية الجديدة وخلال التسعينيات، من حيث التحرير الكامل للتجارة، واتباع عمليات الخصخصة، وحرية انتقال الأموال، مؤكدًا أن هذا التوجُّه أثبت فشله الذريع، خاصةً بعد ما حدث في الأزمة المالية العالمية واعترف بها جميع السياسيين وقيادات الدول العظمى .
ويطالب دولار بضرورة أن تراعي الدولة البعد الاجتماعي ورفع مستوى معيشة المواطن، وتعيد دورها الفعَّال في إحداث التوازن داخل السوق المصرية؛ بمعني أن يكون التوازن بين العام والخاص، والتوازن بين الاستثمار الأجنبي والمحلي، وأن تضع ضوابط وآليات وأطرًا لضبط التجارة الداخلية التي انتشرت فيها السلع المغشوشة بشكل غير مسبوق لجميع السلع من دواء وغذاء، وغير ذلك، مع ضرورة وضع قواعد لضبط المُضاربين بالبورصة بفرض ضريبة على الأرباح التي تتحقَّق من هذه المضاربات لفترة قصيرة، أما الأرباح طويلة الأجل ومتوسطته فلا بد أن يفرض عليها ضرائب، وهناك دول أوروبية كثيرة، وماليزيا تطبِّق هذه الإجراءات.
وقال دولار إننا في حاجة إلى مسار اقتصادي جديد بمفاهيم مختلفة عن تلك التي تتبنَّاها حكومة د. نظيف، ونحن في أشدِّ الحاجة اليوم إلى إصلاح اقتصادي أكثر من أى وقت مضى، وعلينا أن نستفيد من دروس الأزمات.
ضياع الحقوق
ويتفق الدكتور يسرى طاحون رئيس قسم الاقتصاد والمالية بكلية التجارة جامعة طنطا مع الرأي السابق، مؤكدًا أن حق المواطن ضاع في أبسط الأمور، مثل التأمين الصحي، والضمان الاجتماعي، وعدم وجود فرصة عمل، وزيادة الأزمات في الخدمات المختلفة والإسكان، وتعاظمت مشكلات الفلاحين، وزادت ديونهم بشكل كبير، وعجزوا عن سداد مديونياتهم وتسويق منتجاتهم الزراعية بأسعار مناسبة تكفل لهم حياة كريمة.
ويشير إلى أن الحكومة لم تنفِّذ وعد الرئيس مبارك برفع مستويات المعيشة للمدرسين وأساتذة الجامعات؛ حيث لا تزال الأجور المدفوعة لهم غير متكافئة مع الجهد المطلوب منهم، وأصبحت البيئة غير مهيَّأة للإنتاج والبحث العلمي لأساتذة الجامعات، وهو الأمر الذي يؤدي إلى احتلال الجامعات المصرية مراكزَ غيرَ مناسبة عالميًّا.
ويضيف طاحون أن الحكومة أنفقت ملايين الدولارات، ومنها ما هو مموَّل بقروض أجنبية على برامج وهمية لتحسين قدرات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وما زالت قضايا الفساد تحتل مكانًا بارزًا في صفحات الجرائد وأجهزة الإعلام، ونجد مسئولين كبارًا أُدينوا بقضايا الرشوة والفساد في قطاع الإسكان وغيره، مما يهدِّد بإهدار المال العام بشكل لم يسبق له مثيل.
ويوضح طاحون أن فاعلية الحكومة ضعيفة في مواجهة الأزمات والكوارث، واتضح ذلك من خلال الإجراءات الخاصة بالأزمة المالية العالمية، فضلاً عن فشلها في مقاومة إنفلونزا الطيور حتى استوطنت في مصر، والخوف الآن من عجزها في مواجهة التصدي لوباء إنفلونزا الخنازير، وعلى العكس من ذلك نجد فاعلية الحكومة كانت قويةً في زيادة العبء المالي على الأفراد والشركات بتطبيق قانون المرور، والذي لم يقلِّل من حوادث الطرق اليومية.
ويؤكد طاحون أن إهمال الحكومة في تعمير سيناء واستغلال ثرواتها المعدنية والبترولية يصل إلى حدِّ الجريمة؛ لأن استمرار سيناء دون تعمير رغم مرور 30 عاماً على تحريرها يعدُّ جريمةً فى حق الوطن .
تقارير كاذبة
د. جودة عبد الخالق
وفيما يتعلق بالأرقام والمؤشرات الاقتصادية التي تعلنها الحكومة وتتباهى بها على لسان بعض التقارير الدولية؛ يقول الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع إن هناك تعاونًا بين الحكومة المصرية وتلك المنظمات؛ حيث إنه من مصلحة تلك المنظمات مثل صندوق النقد والبنك الدوليين وهيئة المعونة الأمريكية الترويجُ لهذه السياسات التي تتبعها الحكومة المصرية؛ لأنها في الأساس مبنية على توجهات تلك المنظمات.
ويتساءل د. عبد الخالق: إذا كانت هناك معدلات نمو واستثمارات كبيرة كما تدَّعي الحكومة فلماذا مات المصريون لأول مرة منذ عهد المماليك في طوابير الخبز؟! ويضيف: إن الأوضاع الاقتصادية في مصر تحسنت بالفعل ولكن بالأوضاع التي تخدم على رجال الأعمال وفئات قليلة ومحدودة، مشيرًا إلى أن الحكومة تستحق على أدائها خلال السنوات الخمس السابقة درجة “صفر.. مستريح”، حسب وصفه.
ويشير د. عبد الخالق إلى أن العشوائيات المنتشرة في أرجاء الجمهورية هي دليلٌ حيٌّ على سياسة الحكومة الحالية.
تدهور صحي
وعلى الصعيد الصحي يؤكد د. فريد إسماعيل عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين بمجلس الشعب وعضو لجنة الصحة أن وزير الصحة لم يحقق الرقابة الكاملة لجميع المؤسسات الطبية، وهذا ما ساعد على انتشار الفساد، ودخول صفقات المستلزمات الطبية المغشوشة التي تُطيح بحياة المواطن، فضلاً عن أداء المستشفيات الذي يعاني من الفوضى والإهمال الشديد، والذي ينتج منه ترك العديد من الحالات حتى الموت؛ لمجرد عدم قدرتها على دفع تكاليف الإنتاج أو الإهمال الطبى الشديد.
وأشار إلى أن اختطاف طفل من مستشفى “أم المصريين” وموت عدد كبير من الأطفال داخل “الحضانات” دليلٌ على تفشى الفساد في المستشفيات.
ويستنكر د. إسماعيل ما تقوم به الحكومة من سياسة الانتقام من شعبها؛ عن طريق تصدير السموم التى تدمر حياته له، مضيفاً أن الشعب أصبح يجنى ثمار الفساد، ويدفع ثمن بطش الحكومة من توطُّن العديد من الأمراض في مجتمعه مثل فيروس (c)، ويبلغ عدد المصابين بهذا المرض 9 ملايين مصاب؛ حيث تحتل مصر المرتبة الأولى في انتشار هذا المرض بين مواطنيها، فضلاً عن أمراض الفشل الكلوي الناتجة من مياه الشرب الملوثة، وتناول الأطعمة المسرطنة، بالإضافة إلى فيروس إنفلونزا الطيور، وغيرها من الأمراض الوبائية التي اجتاحت جميع أرجاء مصر.
زيادة الجريمة
ويوضح الدكتور إمام حسين أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن انتشار الفساد والجرائم ملازمٌ للمجتمع المصري في كل زمان ومكان، ونادرًا ما نجد مجتمعًا بدون عنف أو إجرام، لكن الحكومة هي المسئولة الأولى عن محاولة منع الجريمة أو القضاء عليها من المجتمع نهائيًّا.
ويُرجع زيادة وتيرة الجريمة في الفترة الأخيرة إلى كثره التركيز الإعلامي عليها ومحاولة بعض وسائل الإعلام استقطاب عدد كبير من الجمهور وذلك بإبرازها صور وأشكال الجريمة، مشيرًا إلى أن الحكومة الحالية ليست المسئول الأول عن انتشار الفساد والعنف داخل المجتمع، فلا يمكن أن نحمل حكومة واحدة مسئولية انتشار الجرائم فكل الحكومات شاركت بشكل فعلي في زيادة معدل الجريمة، موضحًا أنه لم يمر على مصر حكومة واحدة رفعت من مستوى الدخل أو قامت بتقليل الضغط على المواطن المصري المطحون بدرجة تقلل من ارتكاب الجرائم، ويقول: ” إن هذا لا يخفف الذنب عن هذه الحكومة في عدم قدرتها على حماية المجتمع من الانهيار وانتشار الجريمة والانحراف وزيادة العنف “. ويشير إلى أن الآثار التي ترتبت على تعيين هذه الحكومة من زيادة الفقر وعدم القدرة على حل مشكلة البطالة وغلاء الأسعار كان لها أثر كبير على المواطن، فأصبحنا نجد من يقتل أخاه لحصوله على بعض الجنيهات، ومن ينتحر هو وأسرته بسبب فقدانه أمواله في البورصة!.
انهيار التعليم
الدكتور علي عبد الرحمن رئيس جامعة القاهرة السابق يلقي الضوء حول منظومة التعليم، موضحًا أن حكومة نظيف خلال الخمس سنوات زادت من تدني مستوى التعليم في مصر فلم تحقق خطى سريعة لتطوير عملية التعليم، فكل ما حققته هو بعض المظاهر الشكلية التي ليس لها جدوى من إعادة السنة السادسة للتعليم الابتدائي، فضلاً عن قانون الجودة الخاص بالمدارس الذي لا يعطي أية نتيجة إيجابية.
وأضاف أن الوزارة لم تستطع حتى الآن سد العجز الناتج من قلة أعضاء هيئة التدريس للجامعات، بل زاد الوضع سوءًا من استقطاب الجامعات الخاصة المدرسين بأجور مرتفعة دون وجود رقابة أو تشريع يمنعهم من ذلك، فضلاً عن قلة عدد البعثات العلمية التثقيفية للخارج والتي كان لها دور في زيادة العلم والمعرفة واكتشاف علوم جديدة لم توجد من قبل.
وتساءل قائلاً: “هل معدل التقدم العلمي في مصر قريب من معدلات التقدم العالمي أم لا؟”، موضحًا أن جامعه القاهرة دخلت التصنيف العالمي لمدة سنتين ولكنها تراجعت بعد ذلك عن مكانتها، على الرغم من أن هناك بعض الجامعات الصينية خلال سنتين فقط من إنشائها كان لها تصنيفٌ عالميٌّ، فكل من يبذل مجهودًا ويتقدم في علومه يكتسب مكانةً ويُحترم بين الجامعات.
وأدان د. عبد الرحمن حجم الإنفاق الذي تنفقه وزارة التعليم على المؤسسات التعليمية، مشيرًا إلى أنه يمكن أن تقوم بإعادة جدولة هذه الأموال حتى يكون الاستفادة منها أكبر.
وقال إن الإنفاق المتاح أكثر من المستهدف فلا بد من وضع الأولويات للإنفاق، لافتًا إلى أن
العصر الحالي للتعليم هو عصر المخترعات، فلا بد أن تعطي الوزارة الأولوية في الإنفاق للمعامل العلمية والعمل على تطويرها، وأن تلفت الوزارة إلى إنشاء المراكز والمدارس الجديدة المجهزة، التي تنمِّي من قدرات الطلاب حتى لا تخرج الأجيال القادمة مثلها مثل الأجيال الماضية لا يفقهون شيئًا عن المرحلة التعليمية التي تخرج منها.