كتب:محمود ميرزا
لسنوات طويلة كانت الألعاب الأولمبية الصيفية تشمل أيضاً بطولة العالم في كرة القدم، الحدث الكروي الأبرز عالمياً. وابتداء من عام 1930 استقلت رباضة كرة القدم عن الأولمبياد وأصبحت تُقام كل أربع سنوات بطولة للعالم في هذه الرياضة.
وكانت أوروغواي أول بلد يُنظّم هذه البطولة العالمية. لكن بطولة العالم الأولى لم تكُن آنذاك تتّسم بالإثارة والندية المعهودتين في وقتنا الحالي، إذ لم يُشارك فيها، في ذلك الوقت إلا 13 منتخباً من بينها 7 منتخبات من أمريكا الجنوبية. أما أفضل المنتخبات الأوروبية، ومن بينها المنتخب الألماني لكرة القدم، فلم تُشارك في بطولة العالم الأولى لكرة القدم، وذلك لأسباب مادية ولوجستية وسياسية. بطولة العالم الأولى لكرة القدم أُقيمت في قارة أمريكا الجنوبية في ظل غياب عدد كبير من أبرز المنتخبات العالمية، وتحديداً الأوروبية. أما لقب البطولة فآل آنذاك إلى منتخب البلد المضيف لتُصبح أوروغواي أول بطلة للعالم في كرة القدم بعد أن فازت في المباراة النهائية على الأرجنتين بأربعة أهداف لهدفين. إيطاليا تتألق عالميا ومصر أول منتخب عربي في المونديال أما بطولة العالم الثانية لكرة القدم فقد أُقيمت عام 1934 في القارة الأوروبية، وتحديداً في إيطاليا. وشارك فيها 16 منتخباً أي ثلاث منتخبات أكثر من بطولة العالم الأولى في أوروغواي. وكان المنتخب المصري لكرة القدم ضمن المنتخبات المشاركة في البطولة العالمية ليكون بذلك أول منتخب إفريقي وعربي يصل إلى نهائيات كأس العالم. وفي تلك البطولة أيضاً كان اللقب من نصيب البلد المضيف. ففي المباراة النهائية استطاع المنتخب الإيطالي الفوز بلقب بطولة العالمية الثانية في كرة القدم إثر تغلبه على منتخب تشيكوسلوفاكيا بهدفين لهدف، علماً أن هدف الفوز جاء في الوقت الإضافي من المباراة. وكان المنتخب التشيكوسلوفاكي قد أقصى المنتخب الألماني من نصف نهائي البطولة إثر فوزه عليه بثلاثة أهداف لهدف. غير أن المنتخب الألماني نجح، على الأقل، في الظفر بالمركز الثالث إثر فوز صعب على النمسا بثلاثة أهداف لهدفين. وفي بطولة العالم الثالثة، التي استضافتها فرنسا عام 1938، نجحت إيطاليا في الدفاع عن لقبها العالمي لتُصبح صاحبة الرقم القياسي في الفوز ببطولة العالم حتى ذلك الوقت. وحالت الحرب العالمية الثانية دون إقامة بطولة العالم في كرة القدم لمدة 12 سنة قبل أن تستضيف البرازيل بطولة العالم الرابعة عام 1950. وأُقيمت تلك البطولة دون مشاركة ألمانيا التي كانت آنذاك مستبعدة من عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم بسبب الحرب العالمية الثانية. أما اللقب الرابع لبطولة العالم فآل من جديد إلى منتخب أوروغواي الذي تساوى بذلك مع إيطاليا في عدد الألقاب الكروية العالمية. معجزة بيرن بعد 9 سنوات من نهاية الحرب العالمية الثانية حققت ألمانيا معجزة كروية بفوزها بلقب بطولة العالم في كرة القدم عام 1954 التي استضافتها سويسرا. وفي نهائي البطولة التقى المنتخب الألماني، الذي كان يُشرف على تدريبه آنذاك سيب هيربيرغر، بنظيره الهنغاري الذي كان يُعدّ المرشح الأبرز للفوز باللقب. وبالفعل تقدّمت هنغارياً في المباراة النهائية مبكراً بهدفين دون رد، لكن الألمان نجحوا في تعديل النتيجة قبل نهاية الشوط الأول. وفي الدقيقة 84 من الشوط الثاني أحرز الألمان هدف الفوز عبر هلموت ران الذي أثار بذلك سعادة يصعُب وصفها في ألمانيا. وبذلك فجّرت ألمانيا معجزة كروية حقيقية وأصبح اسمها مدرجاً على قائمة أبطال العالم في كرة القدم. لكن ألمانيا لم تنجح في الدفاع عن لقبها عام 1958، حيث خرجت من الدور نصف النهائي على يد المنتخب السويدي المُضيف. كما فشلت ألمانيا في تحقيق نتيجة جيدة في بطولة العالم في عام 1962 في تشيلي. أما لقبا تلك البطولتين فكانا من نصيب المنتخب البرازيلي بقيادة أسطورة كرة القدم بيليه، الذي اختير كأفضل لاعب كرة قدم في القرن الماضي. إنجلترا بطلة العالم عام 1966 وفي بطولة العالم لكرة القدم عام 1966 في إنجلترا بلغ المنتخب الألماني المباراة النهائية لكأس العالم للمرة الثانية في تاريخه. وشهدت المباراة، التي جمعته مع المنتخب الإنجليزي في الـ 30 من تموز/ يوليو على ملعب “ويمبلي” الشهير، ما يُسمى بأشهر “هدف غير مشروع” في تاريخ كرة القدم العالمية. فبعد أن انتهى الوقت الأصلي للمباراة بهدفين لمثلهما سدّد اللاعب الإنجليزي جيوف هورست في الدقيقة 101 من الشوط الإضافي الأول كرة ارتطمت بعارضة المرمى الألماني وسقطت على أرض الملعب ولم تتجاوز خط المرمى. لكن الحكم السويسري آنذاك غوتفريد دينست احتسبها هدفاً لإنجلترا، مع أنه لم يكُن كذلك. وبعد ذلك سجّل المنتخب الإنجليزي هدفاً رابعاً لتنتهي المباراة بأربعة أهداف لهدفين لصالح الإنجليز الذين فازوا بذلك بلقب بطولة العالم للمرة الأولى في تاريخهم. في بطولة العالم 1970 في المكسيك نجحت ألمانيا على الأقل في الثأر من إنجلترا بفوزها عليها في الدور ربع النهائي بثلاثة أهداف لهدفين. لكن الدور نصف النهائي كان بمثابة المحطة الأخيرة لألمانيا في تلك البطولة إثر خسارتها أمام إيطاليا بثلاثة أهداف لأربعة. لكن الألمان نجحوا على الأقل في إنهاء البطولة في المركز الثالث إثر فوزهم على منتخب أوروغواي بهدف نظيف في مباراة تحديد المركز الثالث. أما لقب البطولة فكان من نصيب البرازيل. المغرب أول بلد إفريقي يتأهل عبر التصفيات وشهدت بطولة العالم 1970 في المكسيك مشاركة عربية أيضا ممثلة بالمنتخب المغربي الذي كان أول منتخب يتأهل عن قارة إفريقيا إلى نهائيات كأس العالم عن طريق التصفيات. صحيحٌ أن المنتخب المصري سبق له وأن شارك في بطولة العالم 1934، لكن دون خوض التصفيات المؤهلة عن القارة الإفريقية. اللقب الثاني لألمانيا وفي بطولة العالم 1974 احتفل المنتخب الألماني المضيف بثاني لقب عالمي له إثر فوزه في نهائي البطولة الذي أُقيم في ميونخ على نظيره الهولندي بهدفين لهدف. هذا مع أن الهولنديين تقدموا بهدف في الدقيقة الثانية من المباراة. لكن الألمان بقيادة أسطورة كرة القدم الألمانية آنذاك فرانتس بيكنباور استطاعوا قلب تخلفهم إلى فوز بهدفين لهدف. وحمل هدفا ألمانيا آنذاك توقيع كل من باول برايتنر وغيرد مولر. وفي تلك البطولة قدّمت ألمانيا أداء قوياً ومُقنعاً ولم تتعرض إلا لخسارة واحدة جاءت ضد المنتخب الألماني الآخر، منتخب ألمانيا الشرقية سابقا. أداء قوي لتونس في مونديال 1978 وكان لقب بطولة العالم لكرة القدم عام 1978 من نصيب المنتخب الأرجنتيني المُضيف. أما المنتخب الألماني فخرج من الدور الثاني للبطولة بعد خسارة غير متوقعة أمام النمسا بهدفين لثلاثة. وشهدت تلك البطولة مشاركة عربية وإفريقية قوية من قِيل المنتخب التونسي لكرة القدم الذي كان أول منتخب إفريقي وعربي يفوز بمباراة في نهائيات كأس العالم إثر تغلبه على المكسيك بثلاثة أهداف لهدف. وكانت تونس قد انتزعت بطاقة التأهل إلى مونديال 1978 من منافستها التقليدية المغرب في الجولة الأخيرة من التصفيات الإفريقية لبطولة العالم. ألمانيا والنمسا تتآمران على الجزائر وشهدت بطولة العالم 1982 التي استضافتها إسبانيا مشاركة عربية قوية أيضاً حملت بصمات المنتخب الجزائري. فقد نجح الجزائريون آنذاك بقيادة بلومي ومادجر في الفوز على ألمانيا بهدفين لهدف في مباريات المجموعة. وكان تأهلهم إلى الدور التالي للبطولة قاب قوسين أو أدنى، لكن المنتخبين الألماني والنمساوي اللذيْن كانا ضمن المجموعة ذاتها اتّفقا خلال لقائهما على نتيجة تضمن تأهّل المنتخبيْن إلى الدور التالي، وبالتالي خروج الجزائر. ففي المباراة التي جمعت المنتخبين الأوروبيين تقدمت ألمانيا مبكراً بهدف. وبعد ذلك أوقف الفريقان هجماتهما ولم يفعلا أي شيء من شأنه أن يُغير نتيجة المباراة التي كانت تعني تأهلهما إلى الدور التالي وخروج الجزائريين من البطولة. وبناء على ذلك قرّر الاتحاد الدولي لكرة القدم ” فيفا ” إقامة آخر مباريات المجموعة في وقت واحد، كي لا يتم التلاعب بنتائج المباريات. لكن ذلك لم يُفد المنتخب الألماني كثيراً. ففي نهائي البطولة خسرت ألمانيا أمام إيطاليا بهدف لثلاثة واستطاع الإيطاليون إحراز لقب بطولة العالم للمرة الثالثة في تاريخهم. وفي تلك البطولة شارك أيضاً منتخب عربي آخر وهو المنتخب الكويتي، لكنه أداءه كان ضعيفا. المنتخب الألماني وصيف بطل العالم عام 1986 وفي نهائي بطولة العالم 1986 التي استضافتها المكسيك قدّم المنتخب الألماني أداء قوياً، لكنه لم ينجح في إحراز لقبه العالمي الثالث إثر خسارته في النهائي أمام المنتخب الأرجنتيني بهدفين لثلاثة. وقد شهدت تلك البطولة تألق النجم الأرجنتيني الكبير مارادونا الذي يرى فيه الكثيرون أفضل لاعب كرة قدم شهده التاريخ. اللقب الثالث لألمانيا عام 1990 بعد خسارتهم في نهائي مونديال 1986 كان على الألمان انتظار أربع سنوات أخرى قبل إحراز لقب بطولة العالم للمرة الثالثة. ففي نهائي بطولة العالم 1990 التي أُقيمت في إيطاليا استطاع المنتخب الألماني الثأر لهزيمته في نهائي بطولة العالم السابقة من المنتخب الأرجنتيني إثر فوزه عليه بهدف نظيف أحرزه أندرياس بريمه من ركلة جزاء. وشهدت هذه البطولة مشاركة عربية أيضاً عبر المنتخبين المصري والإماراتي. وقد قدّم الفراعنة في تلك البطولة عروضاً رائعة، إذ تعادلوا مع الهولنديين بهدف لمثله ومع الايرلنديين دون أهداف وخسروا بصعوبة أمام إنجلترا بهدف يتيم. أما منتخب الإمارات العربية المتحدة فكان أداؤه متواضعاً وخسر ثلاث مرات في منافسات المجموعة أمام كولومبيا بصفر لهدفين وألمانيا بهدف لخمسة ويوغوسلافيا بهدف لأربعة. سعيد العويران صاحب أجمل هدف في مونديال 1994 وآل لقب بطولة العالم عام 1994، التي استضافتها الولايات المتحدة الأميركية، بجدارة إلى المنتخب البرازيلي. وشارك في تلك البطولة منتخبان عربيان هما السعودي والمغربي. وفي أول مشاركة لهم في نهائيات كأس العالم قدّم الفريق السعودي، المعروف بالأخضر، عروضاً قوياً توّجها بفوزه على بلجيكا آنذاك بهدف لصفر. وكان أجمل أهداف البطولة على الإطلاق الهدف الذي أحرزه السعودي سعيد العويران في المرمى البلجيكي بعد أن سار بالكرة لمسافة 80 متراً تقريباً وراوغ العديد من اللاعبين البلجيكيين ببراعة قبل أن يودع الكرة في المرمى البلجيكي. وبذلك تأهل السعوديون إلى الدور التالي للبطولة، لكنهم خرجوا منه على أيدي السويديين. زيدان يقود فرنسا إلى الفوز بلقب مونديال 1998 أما بطولة العالم عام 1998 في فرنسا فشهدت مشاركة ثلاثة منتخبات عربية، هي السعودي والمغربي والتونسي. أما نجم البطولة دون منازع فكان دون أدنى شك قائد المنتخب الفرنسي من أصل جزائري زيد الدين زيدان الذي نجح في قيادة منتخب بلاده إلى الفوز بلقب البطولة، وهو أول لقب عالمي لفرنسا في تاريخ بطولات العالم لكرة القدم. أما المركز الثاني في مونديال 1998 فكان من نصيب البرازيليين الذين استطاعوا بعد أربع سنوات الصعود مجدداً إلى منصة التتويج إثر فوزهم بلقب بطولة العالم لكرة القدم 2002 في كوريا الجنوبية واليابان. ألمانيا المضيفة ثالثة مونديال 2006 وكانت بطولة العالم 2006، التي استضافتها ألمانيا، من أنجح البطولات العالمية، إذ عمت نشوة كرة القدم جميع المدن الألمانية. وعلى الرغم من الأداء القوي الذي قدّمه الألمان، خاصة أمام الأرجنتين في ربع النهائي، إلا أنهم لم ينجحوا في إحراز لقب بطولة العالم للمرة الرابعة في تاريخهم. إذ كان على الألمان توديع البطولة بعد خسارتهم في الدور نصف النهائي أمام الإيطاليين بصفر لهدفين. وفي نهائي البطولة فاز الإيطاليون بلقب بطولة العالم إثر فوزهم على الفرنسيين في الركلات الترجيحية. واستفاد الإيطاليون في ذلك من خروج النجم الفرنسي الكبير زين الدين زيدان بالبطاقة الحمراء. وباستضافة جنوب إفريقيا لبطولة العالم 2010 التي تُقام للمرة الأولى في القارة السمراء سيستمر تاريخ بطولات العالم لهذه الرياضة الاكثر شعبية على الصعيد العالمى