السجده الاخيره….
من زمن غابر مضى كان هناك ملك يستعبد قومه ومعه بطانته يسلط القوى على الضعيف والغنى على الفقير والخائن على الغادر والكاذب على الصادق والشيطان على الملاك وكانوا هم رؤوس بطانته الحمقاء حتى عم البلاء وكثر الظلم و الظلام وانتشرت الاوباء وكثر الجياع وتعالى الصراخ من بين طفل يتضور جوعا وامراه يبس صدرها عطشا وشاب مقطع الاماني بترا وكهل شاب على كل هذا الباطل قبل المشيب شيبا.
فخرج رجل من قومه فردا اعزل ودخل على الملك قويا صلدا وقال له كف عن سفك دم الضعيف ومنع المسكين وتجويع الطفل الصغير واكل مال اليتيم وسلب احلام الشاب السليم وكف عن الزنى المقيم وكن لهم ملكا عادلا بالحق قائما وبالخير واردا وبالتوبه خاشعا.
قضحك الملك ثم سكت ثم قال اانت المهدى المنتظر؟ والمخلص المرتقب والمغيث المقتدر وماسح الدمع المنهمر وحامى حمى دار المحتبس وانت المفوه البليغ والقلب الجرئ والرسول والامين لاحبسنك فى الجحيم بسلاسل ينوء بها القوى المتين ومعك ربك فى الجحيم لا شمس لها ولا اقمار ولا ليل ولا نهار وتجوع انت وربك ولا تشبعا وتشربا ولا ترويا وتعذبا ولا تموتا وتثقلا بالاغلال ولا تقوما وتدفنا احياء ولا تموتا .وقال خذوه الى الجحيم.
ورسف الرجل فى اغلاله رسفا حتى دخل السجن قهرا وقفل الباب عليه سدا واخذ يحدث نفسه اخذا وردا …
يا نفس اصبرى وبه تجملى وبالتقوى تلبسى وبالعذاب تحملى وبالعزيمه تثبتى وبالصلاه اخشعى ..ثم سجد وقال اللهم رضينا ثم رضينا ثم رضينا…
وظل الرجل فى سجنه مع ايمانه يبحث عن الامل..فلما راءى شعاع نور من كوه بالسجن قال لنفسه ..بصيص امل يشرق ظلمتى اذهبى يا نفس له وتبخترى ..فلما ذهب شعاع النور بالغروب قال لنفسه ولى وانكسر ولا تبتئيسى يا نفس ولا تتحسرى …فلما سمع نداء حابسه يوما يقول.. الحريه قال لنفسه يا نفس قد جاء البشير لتخرجى من الظلمه الى النور ومن الحبس الى الحرور ومن الذل الى عزه النفوس فلما علم انه وهم قال لنفسه لا تبتئيسى ولا تتحسرى..
وبينما هو على ذالك راءى صرصارا تسلل من كوه السجن الذى يسوده الصمت المطبق يبحث عن طعامه والرجل مكبلا فى اغلاله تثقله القيود وبجانبه طعامه النذير فاوما الى الصرصار ان هلما اليا تعالى اليا معى طعامك لا تخشى ولا تخف انا جائع ولكنى اؤثرك على نفسى تعالى يا مسكين لعلك مغلول مثلى ..لم يستجب له الصرصار فضرب الرجل الطبق بيديه المغلوله حتى وقع الطعام فجرى الصرصار وطعم وتبسم الرجل وفرح ..
مرت اعوام وقد مرض الملك وشعر بالموت فخاف ان يتحرر حبيسه بعد موته فذهب اليه ليذله ويقتله فدخل عليه وقال له اسجد فوق نعلى وسبح بحمدى وارضى بقضائى واعلن توبتك فى حضرتى اقتلك قتله حسنه وانهى عذابك ولا ابالى …فقال له الرجل لا بل تحررنى ثم تقلدنى منصبا فى بلاطك ..ففرح الملك وكان يسر فى نفسه الخديعه وقال له لك ذالك ..وقال له الرجل واعلن ذالك لشعبك بالتنادى..فخرج من حاشيته ينادى ان السجين تاب من فعلته وسوف يتحرر بكرم الملك والملك يعلمكم ولا يبالى.
وسجد الرجل والناس يرونه جميعا ويقول اللهم اسجد لك وحدك واعبدك وحدك ولا اشرك بك ..فتفجر الملك غيظا ونادى ان قطعوه قطعا قطعا والقوه للكلاب طعاما ووردا ..
فلما راءى الناس ثبات الرجل اصابهم الخزى فى انفسهم واعتصموا فى التو وتفجرت قواهم بضربه رجل واحد ونفس واحده وحرروا انفسهم من ظلم الملك وقتلوه وطهروا الارض واقاموا العدل ودفنوا رجلهم فى اللحد وترحموا عليه فى كل عهد وعهد
تاليف … ابراهيم امين مؤمن