الدروس الخصوصية هي الشغل الشاغل والحمل الثقيل الذي تعاني منه الأسر المصرية طوال العام الدراسي، رغم التصريحات الكثيرة من المسئولين بشأن برامج بديلة للقضاء عليها، والكثير من القرارات والإجراءات الرسمية للقضاء عليها مثل تجريمها وإطلاق وزارة التربية والتعليم مؤخرا بوابة التعليم الإلكتروني في خطوة حاولت من خلالها تحسين مستوى التعليم ومحاربة الدروس في آن واحد.
الثقافة السائدة هي السبب
وقال وكيل أول وزارة التربية والتعليم رئيس قطاع التعليم العام الدكتور رضا أبو سريع إن الشبكة الإلكترونية تتيح إعطاء الدروس بشكل قانونى ويسير بالنسبة للمدرس وفى الوقت نفسه تكون أرخص للأسرة المصرية.
وأضاف أن بوابة التعليم الإلكترونى تمنح للطالب فرصة التعليم عن بعد من خلال وضع دروس ونماذج حية يمكن الاستفادة منها ، وبنك للأسئلة له أن يضع إبداعاته عليها، فضلا عن التعرف على مواقع أخرى قد تفيده في دراسته ، بالإضافة إلى الاطلاع على نتائج الامتحانات.
كما تتيح للمعلم الحصول على دعم تربوي خاصة في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ووضع دروس تعليمية للطلاب سوف يُكافأ عليها من جانب الوزارة .
ورغم هذه المحاولات ، إلا أن الاتجاه إلى الدروس الخصوصية لا يزال مستمراً ، وقد أرجع د. رضا سبب ذلك إلى الثقافة المنتشرة لدى أولياء الأمور والطلبة بأن الدروس الخصوصية هي مفتاح النجاح، وأن المدرس الخصوصي هو أعلم الناس بطلبته ومستواهم الدراسي، لذا يفضلون الدروس على التعليم الإلكتروني – الذي أصبح الأوسع انتشارا في العالم كله ? الأمر الذي يحتاج إلى تغيير أفكار الآباء وقراراتهم بشأن تعليم أبنائهم، وكذلك تشجيع الطلبة على التعلم بطريقة البحث وجمع المعلومات بشكل أكاديمي بدلا من الاعتماد على الدروس الخصوصية لضمان النجاح فقط .
إحكام الرقابة على مراكز الدروس الخصوصية :
من جهة أخرى ، هناك شكلا آخر للدروس الخصوصية يتمثل في انتشار مراكز تعليمية خاصة يقبل عليها أعداد هائلة من الطلبة، رغم أن هذه المراكز لا تختلف في شكلها من الداخل عن فصول مدارس وزارة التربية والتعليم، فهي تطوير لفكرة الدروس الخصوصية ومعالجتها حتى يصبح أصحاب هذه المراكز بعيدين عن الأجهزة الرقابية ولا تتمكن الجهات الرسمية من تتبعهم ومعاقبتهم .
من جانبه ، أكد د. أبو سريع أن وزارة التربية والتعليم ومديرياتها تقوم خلال الفترة المقبلة بإحكام الرقابة على المراكز التي حصلت على تراخيص في السابق وتمارس الدروس الخصوصية.
وقال إن مشكلة هذه المراكز أنها منحت الترخيص للعمل في مجال برامج الكمبيوتر واللغات وليس لإعطاء الدروس الخصوصية، مشيرا إلى إيقاف كل هذه التراخيص حاليا بسبب التلاعب، حيث يتم تغيير نشاط هذه المراكز بعد الحصول على التراخيص لتتحول إلى تنظيم الدروس الخصوصية. وأكد وكيل الوزارة أن المشكلة في طريقها للانتهاء بحلول عام 2010 من خلال تنفيذ توصيات المؤتمر العام بشأن حل مشكلة الثانوية العامة، موضحا أنه بتفعيل هذه التوصيات سيختلف الوضع وتنتهي المخالفات الحالية .
وكان وزير التربية والتعليم الدكتور يسرى الجمل أصدر قراراً يقضى بمد أجل حظر فتح مراكز تدريب وتعليم التخصصات المختلفة ، وهى المراكز التى تحصل على تراخيص من وزارتى التعليم والتضامن الاجتماعى وتمارس نشاط الدروس الخصوصية في محافظات مصر كافة.
15 مليار جنيه سنويا للدروس الخصوصية :
وأظهرت نتائج آخر الإحصائيات أن الدروس الخصوصية تلتهم سنويا ما بين 12 و15 مليار جنيه من ميزانيات الأسر المصرية، التي تلجأ في كثير من الأحيان إلى الاقتراض لسداد أجور المدرسين الخصوصيين .
وكشف استطلاع للرأى أجراه مركز المعلومات بمجلس الوزراء مع عينة من أولياء الأمور أن 60 % من الأسر التى لديها أبناء فى مراحل التعليم قبل الجامعى تعانى من ظاهرة الدروس الخصوصية ، وأن 37 % من الأسر التي لديها ابن أو أكثر يحصل علي دروس خصوصية تنفق أقل من 100 جنيه شهريا، بينما بلغت نسبة الأسر التي تنفق ما بين 100 إلي 250 جنيها شهريا نحو 35 %.
كما أكدت دراسات حديثة أنه بجانب الإنفاق العائلي عليها هناك 1.5 مليار جنيه تذهب لشراء الكتب الخارجية في الوقت الذي تعاني فيه مصر من معدل نمو منخفض، إلا أن المشكلة ليست اقتصادية فقط بل لها آثارها الاجتماعية السلبية علي الطلبة في المستقبل، حيث التعود على الاعتمادية والخمول العقلي وعدم خلق مشروع باحث جيد يبحث عن المعلومة والمعرفة بأسلوب علمي معاصر.
الطلبة : لا غنى عن الدرس الخصوصى :
من جهتهم ، أكد عدد من الطلبة تمسكهم وأولياء أمورهم بالدروس الخصوصية أو اللجوء إلى المراكز التعليمية الخاصة، مشيرين إلى أن الموقع الإلكترونى الحكومى غير آمن ولا يعتمد عليه .
وقال الطالب بالصف الثالث الثانوى ” أحمد نور” إن حجز الدروس الخصوصية يبدأ من منتصف إجازة الصيف أو بعد إعلان نتيجة الثانوية مباشرة، نظرا للزحام الشديد عليها مع بداية شهر أغسطس/ آب .
وأضاف أن بعض المراكز الخاصة تتبع أفكار “نيولوك”، حيث يمكن للطالب الآن اختيار المدرس والمجموعة التي يرغب الحضور معها و الميعاد المناسب له.وقالت الطالبة بالصف الثاني الإعدادي “منة الله السيد” إن تفكير أهلها في دروس الثانوية العامة والاستعداد لها بدأ رغم أنها لم تدخل المرحلة الثانوية بعد، مشيرة إلى أن والدها اقترض لسد احتياجات مراكز الدروس الخصوصية من أجل شقيقتها التي كانت طالبة بالمرحلة الثانوية منذ عامين، فضلا عن مصروفات أخرى زادت من حجم المعاناة تمثلت في الكتب الخارجية.وأضافت أنها حاولت الاطلاع على بوابة التعليم الالكتروني، لكنها اكتشفت أن الموقع لا يفتح في أحيان كثيرة وأن به مشاكل فنية حيث “يهنج”، كما أن الأسئلة سهلة بشكل لا يحدث في الامتحانات .
و قالت إنها تفضل المراكز التعليمية ، حيث تبدأ عملها في منتصف شهر أغسطس/ آب أي قبل بدء الدراسة بشهر تقريبا، وتقوم بتلخيص المناهج في مذكرات، ومع شهر فبراير/ شباط نكون قد انتهينا من مراجعة المواد والتدريب على الأسئلة والامتحانات أي قبل الامتحانات بـ4 أشهر، ما يتيح الفرصة بشكل أكبر لإعادة المراجعة وتغطية نقاط الضعف أو مذاكرة شيء لم نتمكن من مذاكرته خلال العام الدراسي، أما في المدرسة فالمدرس يعتمد على كتب
المدرسة المعقدة ويلتزم بجدول محدد له وغالبا ما يكون في شهر مايو/ أيار أي قبل الامتحانات بشهر واحد فقط بما يعني أن الطالب إذا اكتفى بالمدرسة فلن يحقق ما يطمح إليه من النجاح بتفوق.
وقال الطالب بالصف الثاني الثانوي “علي حسين” إنه لا غنى عن الدروس الخصوصية بعد أن أثبتت جدواها مع أوائل طلبة الثانوية العامة، ما انعكس بطبيعة الحال على مراكز الدروس الخصوصية التي شهدت إقبالا منقطع النظير بعد إعلان النتائج مباشرة، وأصبحت عملية الحجز تمثل معاناة كالتي يشعر بها الراغبون في الحصول على رغيف العيش، مشيرا إلى أنه لا يفضل التعليم الإلكتروني لافتقاده الحوار الحي مع مدرس يتابعه ويقيم مستواه كل فترة .
بينما أشار الطالب “أيمن عبد الحكيم” إلى أن حصة المركز تستمر لمدة ساعتين من الشرح والتفسير والمناقشة والتدريب والإجابة عن الأسئلة، خلافا لما يحدث بالمدرسة التي لا تتجاوز حصتها 45 دقيقة تضيع في إجراءات إدارية ولا يتبقى من الحصة سوى 20 دقيقة “هذا إن دخل المدرس أصلا في وقته ولم يتأخر 10 دقائق مثلما يحدث في أغلب الأحيان”، وبالتالي لا يجد المدرس أو الطالب وقتا كافيا، فيشرح المدرس بسرعة ويتجاهل نقاطا كثيرة في الدرس، موضحا أن المركز الخاص أفضل لأن التعليم داخله بمقابل مادي لذلك فهو تعليم حقيقي بعكس المدرسة .
مدرس: أخجل لإعطائى دروساً خصوصية :
من جهته، قال مدرس بالمرحلة الإعدادية – رفض ذكر اسمه – أنه يشعر بالخجل هو وزملاؤه لأنهم يعطون دروسا خصوصية، وبالتالي فهم من بين هؤلاء الذين يبتلعون 15 مليار جنيه سنويا من دخل الأسرة المصرية، مضيفا أن المشكلة تكمن في عدم تقدير دور المدرس وعدم مكافأته بشكل يتناسب ومتطلبات الحياة المعاصرة، مشيرا إلى أن المدرس المصري عندما يسافر للخارج يكون عملة نادرة ويأخذ المقابل المادي الجيد.
وطالب المدرس بالإعتماد على الكفاءة عند ترقية المدرسين واختيار مديري ووكلاء المدارس – لأن عليهم عبء كبير في مسألة الدروس الخصوصية – وعدم التقيد بعدد سنوات الخبرة .
الآباء يتجهون للدروس لضمان مستقبل أولادهم
يبررأولياء الأمور حرصهم على منح أولادهم الدروس الخصوصية بالبحث عن ضمان لمستقبل أبنائهم.
وقال أحد أولياء الأمور عميد كلية التجارة “د. أحمد فرغلي” إن أولياء الأمور يلجئون للدروس الخصوصية لأولادهم لضمان النجاح والحصول على مجموع كبير يؤهلهم لما يطلق عليها “كليات القمة”.
و أضاف أن الدولة أقدمت منذ حوالي عام على خطوة جريئة وهي الكادر الخاص للمعلمين، وكان الكلام وقت ذلك أن هناك إجراءات ومرتبات جديدة وأيضا عقوبات عنيفة لمن يستمر بعد ذلك في إعطاء الدروس الخصوصية، معربا عن اعتقاده بأن تطبيق هذه الإجراءات بشدة يمكن أن تقضى على ظاهرة الدروس الخصوصية.
الدروس تعلم الطلاب الخمول العقلى :
ومن وجهة نظر تربوية بحتة، قال عميد كلية التربية بجامعة عين شمس السابق الدكتور “محمد أمين المفتي” إن أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الطالب يلجأ إلى معلم خارج المدرسة أن يكون مستوى المعلم في الفصل منخفضا، منتقدا حصول خريجي كليات أخرى على دبلوم عام تربوي لمدة عام في كليات التربية ليتخرج منها معلما، واصفا ذلك بأنه خطأ لأن الهدف من إعداد الطالب في هذه الكليات غير الهدف من إعداد الطالب في كليات التربية، مؤكدا أن التعليم مهنة شأنها شأن الطب والهندسة والصيدلة يجب أن يكون محترفها متخصصا ودارسا.
وأوضح أن الدروس الخصوصية هي إحدى الظواهر التي تؤرق المجتمع المصري، مشيرا إلى إحدى الدراسات الحديثة التي تمت على حوالي 1000 أسرة مصرية، لتكشف أن كل أسرة تتكلف نحو 500 جنيه شهريا للدروس الخصوصية. كما أن الطلبة الـ10 الأوائل على الثانوية العامة 2007/2008 حصلوا على درجاتهم بمساعدة الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية .
وأضاف أن هناك عدة محاولات للتصدي لهذه الظاهرة، حيث أحيل بعض المدرسين إلى المحكمة التأديبية العليا بمجلس الدولة وصدر حكم بمجازاة 24 مدرساً مع خصم شهر لكل منهم ، فضلاً عن توجيه اللوم لمديري المناطق التابعين لها، لكن الحال كما هو عليه .
وقامت لجنة التعليم بمجلس الشعب بإعداد قانون لتقنين هذه الظاهرة، لأنهم وجدوا أنه رغم محاولات التصدي لها وتجريمها إلا أن الوضع لم يتغير، لذا جاءت المطالبة بإصدار قانون يلزم المدرس الذي يعطي دروسا خصوصية بأن يدفع ضريبة وتستفيد الدولة بهذا لكن مشروع القانون تم رفضه من قبل المجلس.
وطالب ” د. المفتى ” بضرورة النظر إلى الدروس الخصوصية نظرة شاملة ومتكاملة لعلاجها ، ولا نركز على جانب واحد ، فمن الأسباب الرئيسية لانتشار الظاهرة أن وزارة التربية والتعليم من حين إلى آخر تفرض مواد جديدة وتتوسع في مواد أخرى، كذلك امتداد نظام الثانوية العامة لعامين اثنين بدلا من عام واحد، بالإضافة إلى ضعف جدية العملية التعليمية، مما زاد من القلق والخوف والارتباك داخل الأسر ومن ثم الإقبال على الدروس الخصوصية .
كما انتقد نظام التعليم الحالي القائم على أساس المفاضلة بين الطلبة في دخول الجامعات على أساس المجموع، ونوعية الأسئلة في الامتحانات. وقال بالرغم مما يشاع عن أن هناك أسئلة تقيس التحليل والابتكار إلا أن هذا علميا غير سليم، فهناك بعض الأسئلة موجودة نصا في دليل الأسئلة والطالب يتدرب عليها بمساعدة المدرس الخصوصي ويتعلم كيف يجيب عليها وكيف يتعامل مع الامتحان فقط.
وأكد ” د. المفتى ” أن للدروس الخصوصية تأثيراًعلى شخصية الدارس ليس فقط عندما ينهى المرحلة الثانوية وينتقل للجامعة ، بل تمتد إلى طالب الدراسات العليا فهي تخلق داخله نوعا من “الاتكالية” والاعتمادية والسلبية وعدم المبادرة والتفكير ونوع من الخمول العقلي وعدم الابتكار لأنه تعود على أن تلقن له المعلومة بدون عناء لذلك لم ينشأ داخله مشروع باحث لينقب عن المعلومة والمعرفة.