تشهد الجامعات المصرية حالة من الانقسام الفكري بين طلابها، ففي الوقت الذي يعانى فيه بعض الطلاب من القيود الأمنية التى تفرض عليهم خوفاً من المظاهرات والأعمال السياسية ونشر الوعي الخاطئ، يستمتع البعض الآخر بحالة من التشجيع الخفي لممارسة جميع الأعمال التي تجعلهم منحرفين .
والأمر ليس قاصراً على الجامعات الخاصة التي سادت مصر مؤخراً إلا أنها حظيت بنسبة فساد جنسي وزواج عرفى بشكل ملفت للنظر. من الوهلة الأولى وبغض النظر عن المستوى العلمى الذي لم يعد الهدف من دخول الطلاب الجامعات، ففي كل عام يتخرج آلاف الطلاب أكثر جهلاً وأكثر سوءاً، لأنهم خرجوا منها بمآس تدمى القلوب ، فمنهم المتزوج عرفياً والمدمن .
والتساؤل الأهم ما السبب في ذلك ؟ ما المستوى الذي يأمل فيه هذا الجيل الذى حصر نشاطه فى المخدرات والجنس لتفريغ طاقته بعيداً عن كل ما هو مفيد ؟ النتائج تؤكد أن المستقبل يتجه بهؤلاء نحو مزيد من الضياع، فماذا تنتظر الدولة من فئة أهملت في توجيهها وتركت أمرها لرجال أرادوا الربح وليس السعي لإنتاج عقول بشرية على مستوى عال من الكفاءة ، التي تجعل الشباب كما كان يقال عنهم ” عماد المستقبل “.
فأى مستقبل هذا الذي يكون فيه الشباب بحاجة لمن يحل مشكلاتهم التى يعانون منها بسبب افتقادهم للوعي والخبرة. فالجيل القادم بين الجنس والإدمان والأسباب متعددة والنتائج مؤكدة على ذلك بالنظر للإحصائيات التي أكدت أن 80% من المتزوجين عرفياً من الطلبة، خاصة طلبة الجامعات. وإذا نظر الطلاب للقدوة وجدوا العديد منهم متحرشين بالطالبات، أو يساومون بعضهن.. فماذا يفعل وقدوته أسوأ منه حالا.ً
وقديماً لم تنتشر الدروس الخصوصية بين طلاب الجامعة الذين انصرفوا عن دخول المدرجات حيث يذهبون الى صيد فرائسهم من الطالبات والطلاب، ففي الجامعات الخاصة والتي تضم أبناء الطبقات الراقية التي يعي الطالب بها جيداً أنه يمكنه شراء كل ما يرغب فيه بماله، ولكون الجامعات الخاصة ليست خاضعة لرقابة كاملة من وزارة التعليم العالي التي أفسدت طلاب الجامعات الحكومية الواقعين تحت رقابتها، فالنتائج تشير إلى أن الوضع في الجامعات الحكومية عبارة عن ثورة بين الجنس والسياسة على العكس من الجامعات الخاصة التي تحولت لأوكار وملاهٍ ليلة لأبناء الطبقة الراقية.
مساوئ الجامعات الخاصة في مصر
أشارت آراء بعض أساتذة الجامعات المنتقدين للجامعات الخاصة باعتبارها نوعاً من الترفيه الذي يسعى إليه أبناء الطبقات الراقية، ليس لتحصيل العلم والمعرفة، وإنما للحصول على شهادات علمية مساوية لأقرانهم من أبناء الجامعات الحكومية، بعد أن عجزوا عن تحصيل مستوى جيد في المراحل التعليمية السابقة.
وهذه ليست قاعدة على الجميع.. كما أشاروا الى وجود قلة قليلة متفوقة في هذه الفئة، إلا أن الجامعات المصرية الخاصة، لا يوجد لها مثيل في العالم وذلك لأن الجامعات الخاصة، كما يحدث بأي مكان يتبرع رجال الأعمال لإقامتها فقط، وبعدها ينتهي دورهم ولا تكون لهم أي علاقة بها فيما بعد. حيث تصبح مستقلة تماماً بعدها ولاهدف لهم منها سوى البحث العلمى .
أما فى مصر فالوضع مختلف تماماً ولاهدف علميا للقائمين على الجامعات الخاصة ، فالهدف الأول والأخير ربحي. فماذا ينتظر المجتمع الذي يحصد الخسارة الخاصة بهذه الفئة من رجال أنشواء الجامعات لغرض بعيد عن البنية الثقافية والتعليمية وتنمية قدرات الجيل القادم؛ ضاربين عرض الحائط بكل شئ كل ما يشغل تفكيرهم كمستثمرين ؟
والدولة تفتح لهم الباب على مصراعيه غير مهتمة هي الآخرى بالكارثة التي ستعود على المجتمع من هذه الفئة التي استغلتها الدولة وتركتها للمستثمرين الذين رفضوا وضع الرقابة عليهم حتى يصلوا لأعلى نسبة من المال عن طريق هذه الفئة التي يسّروا لها كل ما هو ممنوع. ففي بعض القطاعات قيل إنها وفرت لطلبة وطالبات الجامعات الخاصة سماسرة لتأجير الشقق ليتقابلوا فيها بغرض المتعة الجنسية التي لا مانع من أن تحدث داخل أسوار الجامعة .
والأغرب من ذلك أنها قد تحدث من أستاذ جامعى مع طالبته ، وأشارت آراؤهم الى أن المال إذا أصبح المتحكم الوحيد ، فلا رقيب ولا حسيب . وقد يتم معاونته فيما هو أخطر من ذلك الحصول على المواد المخدرة. كما أن طلاب الجامعات الخاصة من شدة ما أثير حولهم من جرائم زواج عرفى وعلاقات جنسية أصبحوا صيداً ثمينا لفتيات الهوى الراغبات في جمع المال، فأبناء هذه الطبقة مستهدفون ومتروكون بلا رعاية من المحيطين بهم ومعظمهم مرضى نفسيون بحاجة الى قليل من الاهتمام الذي افتقدوه داخل منازلهم لانشغال أسرهم بجمع المال وتركهم الثروة الحقيقية التي بين أيدهم .
وأشارت الآراء الى أن الجميع يجمع المال حرصاً على المستقبل دون أن يحرصوا على أصحاب هذا المستقبل الفئة المدمرة التي ستعيش هذا المستقبل وتواجهه بثوراتها الجنسية التي افتقدت طريقها الصحيح للتعامل مع الجنس كثقافة، وإنما أصبح خطراً يهددهم وأسرهم بعدما يخطئ الشاب مع زميلته من خلال زواج عرفي أو علاقة آثمة، تنتهي بانتهاء المرحلة الجامعية وتخلف للمجتمع مشكلة من نوع جديد أبناء بلا آباء.
والأدهى من ذلك أمهات على درجة عالية من اللامبالاة بما يحدث، والسبب في ذلك هو السير وراء التربح من العملية التعليمية بالجامعات الخاصة والذي يجعلها قاصرة على خدمة من يملكها إذا وجدت الخدمة من الأساس، لأن ما يذكر عن دور الجامعات الخاصة الإيجابي مجرد أحاديث لم تتحقق على أرض الواقع. وكل ما تطالع به الصحف حديثها عن الجامعات الخاصة هو قضايا المخدرات وحفلات الجنس الجماعي وشباب الإيموز، وغيرها من القضايا التي جعلت الجامعات الخاصة ناقوسا يهدد أمن المجتمع ويخلف عليه مشكلات اجتماعية يحصدها الجميع وليست فئة.
ومع ذلك فالجامعات الحكومية لها نصيب وافر من ذلك الفساد والانحراف الذي سادا بداخلها مؤخراً، فكما أشارات الإحصائيات أن 80% من حالات الزواج العرفي يحظى بها الطلاب دون تحديد النسبة إلا أن الجامعات غزاها الفكر الجنسي مؤخراً كنوع من إخراج الكبت الذي يعانيه طلاب الجامعات الحكومية من ضيق يد أسرهم وما يعانيه شباب الجامعات الخاصة من إهمال شديد دفعهم الى التعبير عن وجودهم حتى ولو بشكل سيئ .
طرح بعض الأساتذة تساؤلاً على الملأ وانتظروا الرد من الحكومة التي بيدها الأمر والمنع والخصخصة. ماالسبب الذي يدفع الدولة للتكاسل وعدم الاستفادة من الجامعات الخاصة بشكل مثالى ويعود بالفائدة على جميع فئات المجتمع وأن تكون للجامعات الخاصة أهداف ، والأكثر من ذلك أن تتعاون مع الجامعات الحكومية عن طريق الرقابة الصحيحة والمدروسة والتي تجعل من الجامعات الخاصة أحد مصادر التمويل العلمي، لأن معظم طلاب هذه الجامعات أبناء الطبقات الخاصة برجال الأعمال .
ولماذا لا تنظر الدولة الى هذه الفكرة بعين التدبر ويكون أساتذة الجامعات الخاصة تابعين للرقابة المباشرة من قبل الجامعات الحكومية ، ويتم تبادل أعضاء هيئة التدريس بين الفئة الخاصة والحكومية، ويتم الدمج بينهما بشكل إداري لتفادي المساوئ التي تحدث في الجامعات لافتقاد الرقيب وترك السيطرة لحصاد المال وتخريب العقول التي لو استثمرت لعادة على المجتمع بنفع .
محمد علي أكثر حكام مصر اهتماماً بالتعليم وإيماناً بقيمته
الحاكم الوحيد الذى عكس اهتمامه بالتعليم بشكل عملى لم يترك أمراً من الأمور إلا وأشرف عليه بنفسه، خاصة العملية التعليمية التي لم يجنِ ثمارها هو وجنت الأجيال التي جاءت من بعده ثمارها بعدما عادت البعثات، إلا أنه أول من أدرك أن العالم سيكون بين يديه بفضل عقول أبناء دولته التي لم يكن هو من ضمن أبنائها، لم يكن مصرياً ولكنه عشق المصريين وصانهم بأعماله وتطلعاته التى لا يستطيع التاريخ أن ينكر فضله.
وتؤكد الآراء والتاريخ من قبلهم أن محمد على الوالى الذى حكم مصر هو صاحب النهضة التعليمية في مصر والذي حمل من بعده نفس الاهتمام هو الخديوي إسماعيل ، فهؤلاء أدركوا ونجحوا بالفعل ورغم هزيمتهم العسكرية في بعض الفترات، إلا أنهم لم يهملوا التعليم وعلى الرغم من أن إسماعيل أغرق مصر في الديون وتركها للأجانب ، إلا أنه لم يترك التعليم الذي كان على ثقة بأنه المخرج الوحيد والمنقذ للبلاد بالتعليم قبل الناحية الاقتصادية ، لأن العقول هي التي ستتمكن من جلب الثروة الاقتصادية والحفاظ عليها وهو السبيل الوحيد للتقدم والارتقاء فيما بعد .
والجدير بالذكر أن بعض النساء شاركن بمصاغهن في إنشاء جامعة القاهرة والتي كانت من أعرق الجامعات، ولكن دوام الحال من المحال ، والأمر ليس قاصراً على الجامعات فحسب، إلا أن الجامعات هى الأكثر خطراً .
الجامعات المصرية تراجعت عالمياً وإفريقياً
انهارت الجامعات المصرية بفضل السياسات المتخبطة والفشل في وضع سياسة واضحة المعالم كي تسعيد مصر ريادتها من جديد، بعد أن وصلت لمركز سيئ ، والتراجع ليس على المستوى العالمي فحسب وإنما على المستوى الأفريقي أيضاً فجامعة القاهرة على سبيل المثال احتلت المركز الرابع عشر عربياً والمركز 2934 عالمياً، أما جامعة عين شمس فكانت في المركز 25 عربياً و4112 عالمياً.
وهو ما يشير إلى انهيار التعليم الجامعي الذي احتل المرتبة الأولى في فساده، في الوقت الذي وصلت فيه الجامعات الإسرائيلية على سبيل المثال لا الحصر على وضع الجامعات المصرية، فالجامعة العربية بالقدس إحتلت المرتبة 93 لأفضل 200 جامعة تهتم بالتعليم العالي والدراسة الاستقصائية، واحتلت جامعة ” تل أبيب ” المركز 114.
وبذلك فالتعليم المصري خارج التصنيف العالمي وحالته يرثى لها على الرغم من أن التاريخ العريق لجامعة القاهرة لا يقارن بالجامعات الإسرائيلية التي اتفقت وسعت نحو الأبحاث العلمية، على عكس الجامعات المصرية التي اتفقت على ألا تتفق .
وأرجع العديد من أساتذة الجامعات المصرية السبب الحقيقي وراء التراجع في المركز والمستوى العلمي إلى ضعف الإنفاق والميزانيات والتمويل والموارد ، فضلاً عن الأعداد التي تكتظ بها الجامعات في مصر والتصاريح البراقة بزيادة ميزانية التعليم العالي بمليار جنيه على مدى خمس سنوات، إلا أنها مجرد تصريحات وإن حدثت فسوف تحدث بعد أن تكون الأجيال خرجت عن لياقتها الخاصة بتقبل التطور الذي تنتظره من سنوات لم يتذكروا عددها .
مظاهر مساوئ التعليم الجامعى
وفي الوجه المقابل لما يعاني منه التعليم الجامعي نجد من يساومون الطالبات من الأساتذة على إقامة علاقات جنسية معهن، والمقابل الحصول على أعلى تقدير، والاستجابة متوقفة على طبيعة الطالبة التي قد تخضع ليس لرغبتها في النجاح ، وإنما أملاً في التفاخر بأن أساتذها الجامعي على علاقة بها. ومنهن من يقبلن أملاً في التخلص من كابوس الجامعة، وآخريات يقبلن للحصول على الراحة للتفرغ لعلاقتهن التي لا تقل في مغزاها عن مطلب أستاذهن الجامعى . ومنهن أيضاً من رفضن ويحتقرن الجامعة، وهؤلاء يفضلن المنزل بعدما صدمن في القدوة التى من المفترض فيها أن تكون حسنة .
هذا هو الواقع الفعلي لحال الجامعات المصرية التي تنتج جيلاً بشهادات علمية بلا عقول متعلمة أو مثقفة، وإنما هي عقول مفرغة مدمنة بحاجة الى مزيد من التشبع الجنسي، دخلوا الجامعات أنصاف متعلمين ليخروجوا منها أميين وعلاقاتهم بالجامعة مجرد أنهم يحملون لقب “طالب” فقط دون أي علاقة آخرى .
السينما عكست واقع الجامعات ولكن النهاية كانت وردية !
تناولت السينما المصرية الوضع السيئ للجامعات سواء كانت خاصة أو حكومية، وركزت على الإرهاب الناجم عن غياب المعرفة وضياع الطلاب الذين على قدر قليل، وربما منعدم، من المعرفة. وركزت عليهم لأنهم الفئة التي تحظى باهتمام الأمن في الجامعات وركزت على المعتقلين ومدمني المخدرات في العديد من تناولاتها الواقعية .
ولكن النهاية عادة ما تؤكد على السرور، وربما يكون ذلك نوعا من التفاؤل الذي يحلم به القائمون على العمل الفني. وكان العمل السينمائي الذي أشار للجامعة المصرية الخاصة وركز على المخدرات كقضية أساسية ولكنه استعرض العملية الجنسية من منظور ضيق، هو فيلم “الباشا تلميذ” الذي صعد الأسوار العالية وكشف سر الشلة التي تتجه للمخدرات، وأنه ليس ضرباً من الخيال وإنما واقع ينطق عن نفسه.
والنهاية كانت بصلاح بعض أفراد الشلة، إلا أننا في الواقع لن نجد ضابطا مصرا على إنقاذ الشباب ونجاحهم، مثل الضابط “بسيوني” الذي كشف لغز العصابات التى تدار من قبل المسؤولين عن الجامعة ، وأنهم أنشأوا الجامعة لتسريب المواد المخدرة والطوابع لأبناء الطبقات الراقية والقادرة على الإنفاق سواء على المواد المخدرة أو الجنس .
وأظهر الفيلم كيفية العلاقة ، وكيف يتحول الشاب إلى مغتصب فى لحظة، عندما حاول “محمد رجب” اغتصاب صديقته التي يعلم الجميع أنها محبوبته، أو فتاته. وكيف نجحت الفنانة “غادة عادل” في إظهار أن التفكك الأسرى سبب في هروبها للإدمان كحلّ ، فضلاً عن تفاهة الفنانة “مها أحمد” التي ظلت تبحث عن الحب كهدف لمجرد أنه هدف تحاول السعي خلفه ، تحب أي شخص في أي سن بحثاً عن إضاءة تهتدي بها.. وكيف يسعى رجال الأعمال الى التربح من هذه الفئة المهمشة.
ولم ينس مؤلف هذا العمل أن يبرز دور الفنانة “منى هلا” التى كانت طالبة بجامعة حكومية، إلا أنه لم يشر لأي حقد بداخلها، وهذا عكس الواقع. فمن يحاكيها فى الواقع يحمل أحقاداً على هذه الفئة التي تبحث عن شمعة وعن هدف ضاع بسبب أشخاص من المفترض أنهم مسؤولون عن هؤلاء الشباب.