كتبت : سحر طلعت
داخل قاعات المحاكم تتعلق أنظار الحضور بالمنصة. كلمة واحدة ينطق بها القاضى ترفع حبل المشنقة من رقبة متهم أو تضعه، تطيح به لغياهب السجن أو تبرئه. حكم القاضى يكون له تداعيات، تفرح البعض أو تغضبه. وتثير مشاعر من المتهمين وأهاليهم تترجم إلى تصرفات عدوانية تبدأ بالسب وقد تنتهى بالقتل، وفى كثير من الأحيان يتلقى القاضى أو المحقق تهديدات حتى يدفع التحقيقات إلى اتجاه معين. أو يتلقى القاضى إغراء أو تهديدا. أو اختطاف الأبناء فى سبيل كلمة حق تخرج من فمه .
وفاة المستشار”أحمد عزت العشماوى” ? القاضى الأشهر فى مواجهة قضايا الفساد وإصدار الأحكام الرادعة – وما أحاط الوفاة من غموض وأقاويل عن وجود شبهة جنائية، فتحت ملفا شائكا وطرحت سؤالا مهما وخطيرا”من يحمى القاضى ويؤمن حياته من انتقام المجرمين الذين يلتقيهم أثناء نظر عشرات القضايا الخطيرة والهامة وبشكل يومى التى يفصل فيها ؟
قديماً تعرض القضاة وعلى مدار التاريخ إلى العديد من الأزمات والمحن على رأسهم الإمام أحمد ابن حنبل الذى عذبه الخليفة المأمون بعد رفضه الاعتراف بأن القران مخلوق ثم القاضى ابن رشد الذى يعد أول من حارب التطرف االدينى فى كتاباته وكان ثمن ذلك هو حرق كتبه.
“أكثر المتعرضين للتهديدات والمخاطر هم من يعملون بالقضاء الجالس خاصة القاضى الذى يفصل فى القضايا الجنائية”..بتلك الكلمات بدأ المستشار محمود مكى حديثه بأن مهنة القاضى من أخطر المهن على الإطلاق لأنها ذات طبيعة خاصة تجعله فى مواجهة أعتى المجرمين، وحينما يصدر حكما بالإدانة فإن نيران الغضب والانتقام تشتعل داخل أسرة بعض المدانين مطالبة بالثأر، فالقاضى مستهدف و تحت ضغوط لا تنتهى، ً سواء من الرأى العام الذى يطالب بأقصى عقوبة مع نظره لقضية هامة أو من مواد القانون التى تتعامل مع نصوص جامدة. ويضيف مكى أن واقعة الاعتداء على المستشار الشاب محمود حمزة وضربه بالحذاء من جانب الشرطة ثم المهازل التى حدثت لعدد من القضاة فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة خير دليل على المعاناة التى يجدها القاضى أثناء عمله.
تكسير قاعة المحكمة وتحطيم مقاعدها إضافة إلى الاعتداء بالألفاظ و السباب، كانت ثمن سجن أحد المتهمين فى قضية مخدرات حكم فيها المستشار حسن رضوان رئيس جنايات بالجيزة منذ عدة سنوات سبقها واقعة تعرض المستشار “اميل حبشى مليكة”رئيس محكمة جنايات شمال الجيزة إلى السباب من جانب زوجة تاجر مخدرات يدعى عبد التواب غانم، فور صدور حكم بسجنه ثلاث سنوات مع تغريمه 50 ألف جنيه لتصرخ الزوجة بالقاضى “الله يخرب بيتك” ليصدر المستشار حكما بمعاقبتها على الفور بإيداعها قفص الاتهام وحبسها 6 شهور مع إيقاف التنفيذ لوجود رضيع بين يديها.
المستشار” نجيب جبرائيل” عضو المحاكم الشرعية والمدنية السابق أكد أنه “عندما كنت وكيل نيابة فى بداية حياتى كنت أقوم بالمرافعة فى جناية سرقة بالإكراه وقتل عمد وكنت أطالب بتوقيع أقصى العقوبة على المتهم وهى الإعدام شنقاً وبعد فترة الاستراحة فوجئت بأهل المتهم يقتربون منى ويهددون بقتلى إذا لم أتوقف عن مهاجمة ولدهم بهذا الشكل، وعلى الفور أبلغت رئيس المحكمة الذى أمر بتخصيص حراسة لى حتى سيارة القضاة” , ويضيف نجيب ومع بدايات سنة 1981 انتشرت جرائم السطو المسلح على محلات المجوهرات بواسطة جماعة التكفير والهجرة و ذات يوم أثناء التحقيقات فوجئت بمن يطرق باب شقتى ، وحاولت النظر من العين السحرية وجدت شخصا يسد الفتحة، بينما حاول آخرون الهبوط من السطح إلى الشقة مما أفزع زوجتى فأطلقت أعيرة نارية من سلاحى وقتها، واستيقظ الجيران وتم القبض على المتهمين.
المستشار مصطفى الكومى رئيس محكمة شمال القاهرة يؤكد أن مهنة القاضى مهنة غير مؤمنة فى مصر مثل باقى الدول الأخرى، حيث يتم تأمين القضاة وأسرهم بينما لا يوجد قانون فى مصر ينص على حماية القاضى وأسرته عند تعرضه لتهديد . و القانون يمنح القاضى حق التنحى عن القضية عند استشعار الحرج. ويتذكر الكومى واقعة حدثت له منذ 9 سنوات عندما كان رئيساً لمحكمة جنايات المنصورة التى أصدرت حكماً على أحد كبار تجار المخدرات بالأشغال الشقة المؤبدة، و عند خروجه من القاعة فوجئ بأسرة المتهم وأقاربه ينهالون عليه بالشتائم حتى أنه وباقى أعضاء الهيئة القضائية عادوا إلى القاهرة فى حماية سيارة الترحيلات.
المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق يؤكد أن القاضى يتولى الفصل فى النزاعات الجنائية او المدنية. وكلاهما فيها خصوم، وفى بعض الجنايات قد تصل العقوبة إلى الإعدام . وبعض القضاة يتعرض لتهديدات كتابية أو تليفونية أو مطاردات فى الشوارع ، أو محاولات لتوريطه فى اتهامات لا أخلاقية للضغط عليه ليحكم فى قضايا معينة بشكل معين. وتصل تلك التحرشات بالقضاة إلى القتل فى بعض الأحيان وهو ما حدث للمستشار الخازندار فى فترة الخمسينيات أثناء نظره لإحدى قضايا الإرهاب والتى تلقى بسببها تهديدات كثيرة له ولأسرته بالقتل ولكنه رفض التراجع فتم تنفيذ التهديد وقتله بالفعل.
المستشار خالد الشباسى يقول إن للقاضى حصانة قضائية خاصة تمنع تفتيش منزله أو القبض عليه إلا بعد استئذان مجلس القضاء الاعلى. ورغم هذا لا توجد حماية حقيقية للقضاة . ويطالب الشباسى بضرورة إنشاء شرطة قضائية مهمتها هو تأمين القضاة ، بل و المتهمين . ونحن نسمع حاليا عن جرائم هروب للمتهمين من داخل قاعات المحاكم غير المؤمنة ، وبعضهم يرتكب جرائم قتل لعدم وجود حراسة داخل المحكمة التى تكتظ يوميا بعشرات المواطنين، يجلس بينهم القاضى دون الانتباه لوجود أسلحة مع أحدهم للانتقام منه مع صدور حكم بالإدانة ولكن هذا لا يحدث.
غياب أمنى شديد وخطير بالمحاكم التى تكتفى بوجود حراسة هزيلة من إدارة الحراسات والمحاكم التى ليس لديها المقدرة على التصدى لأى أخطار بجانب عدم تدريبها أو كفاءتها، “عبارات أطلقها اللواء مصطفى الكاشف مساعد وزير الداخلية الأسبق الذى أكد أن القانون أورد نصوص لحماية القاضى بمفرده تاركا نقطة ضعف هامة خلفه وهى أسرته التى لا يوجد أفراد من الأمن يحرسونها من بطش المجرمين انتقاما من شخص القاضى، وهو الأمر غير الموجود بالخارج، ففى أمريكا ينص القانون على وجود إدارات متخصصة بالجمارك والموانئ والضرائب لحماية جميع العاملين بالجهات الأمنية، ورغم أن ذلك الأمر مكلف جدا إلا أن الحكومة الأمريكية تهدف إلى رعاية مواطنيها. أما فى مصر فلا مخصصات أو بنود تقع تحت بند حماية القضاة وتأمين أسرهم ولو بمجرد كشك صغير أمام منزل كل قاض وهو ما لا يشعر القاضى بالأمان ويجعله دائم الخوف والقلق على نفسه وأطفاله. وأضاف اللواء مصطفى الكاشف أن وزارة العدل تعتبر من أغنى الوزارات لكنها تنأى عن الدخول فى منافسة مع وزارة الداخلية فى عملها كجهة تأمينية لعدم إحداث تضارب.