كتبت : أميرة سلام
37عاماً, هى عمر جهاز المدعى العام الاشتراكى, حتى جاء ت فكرة حله ضمن البرنامج الانتخابى للرئيس مبارك وتأكدت بعد تعديل الدستور فى مارس 2007, والجميع فى انتظار خروجه على المعاش ..المعاش المبكر, إن جاز التعبير.
ما هى الضرورات التى تستوجب إلغاءه ؟ كيف ستتم تصفيته؟ من يرث تركته؟ هل كان يتلاءم وجوده مع طبيعة النظام السياسى والاقتصادى الحالى ؟هل سيؤثر قرار إلغائه على سوق الاستثمار المصرى؟ .. بعد استلام الكسب غير المشروع ملفات المدعى الاشتراكى المفتوحة هل يكن الطعن على قراراته دستورياً؟ ما مصير هذه القضايا؟ علامات استفهام عديدة يطرحها خروج “البروكاتورا ” (اسم الجهاز فى الاتحاد السوفيتى السابق) من نطاق الخدمة.
البحث عند إلغاء نظام قضائى يتطلب إيجاد ظروف ناشئة كما يقول الدكتور “عبد الرحيم صدقى” أستاذ القانون بجامعة القاهرة وكان إنشاء جهاز المدعى العام الاشتراكى مرتبطاً بطبيعة النظام فى هذا الوقت والظروف التى كانت تمر بها البلاد هى السبب الشرعى الوحيد لوجوده وذلك لاتخاذ إجراءات سريعة تكفل تأمين حقوق الشعب وسلامة المجتمع ونظامه السياسى والحفاظ على المكاسب الاشتراكية و الالتزام بالسلوك الاشتراكى، فصدر قانون المدعى العام الاشتراكى رقم 34 لسنة 1971.
وكان هدف الرئيس السادات عام 1971 تعقب رؤوس الأموال التى تضخمت من تجارة المخدرات والسلاح وكافة أشكال الكسب غير المشروع كما أعلن وقت إنشائه، وبالفعل كان له دور قوى فى أزمة شركات توظيف الأموال وما تبع ذلك من تحقيقات وفرض حراسات و استرداد أموال طائلة، تم توزيعها على المودعين. وكان للسادات هدف سياسى آخر وهو ملاحقة خصومه السياسيين كما يرى “صدقى” مشيراً إلى ضرورة ترفع الأجهزة الرقابية عن الخضوع للقيام بأدوار سياسية، ولكن مع تغير النظام كان لابد أن تتغير كافة الأجهزة الرقابية التى كانت مرتبطة به.
المدعى العام الاشتراكى أدخل دون أى سند قانونى أو حتى دستورى بين الأنظمة القضائية العادية والطبيعية فهو نظام استثنائى، سند وجوده الوحيد سند سياسى لذلك فوجوده هو خلط بين السياسة والقضاء وهذا يتعارض مع استقلالية القضاء التى نص عليها الدستور وبناء على هذا كما يطالب “صدقى” كان يجب إلغاؤه منذ زمن بعيد لانتفاء سند ومشروعية وجوده. فنظام المدعى العام الاشتراكى استحدث إجراءات تمس الحقوق والحريات العامة للمواطنين مما يتعارض مع الدستور ففى وجود النائب العام لا توجد ضرورة لوجود منصب رقابى آخر من خلال كافة المناصب الرقابية، خاصة و أنها مناصب لا تتلاءم مع النظام الحالى، إنما كانت ملائمة مع الأنظمة الشيوعية والاشتراكية فى وقت وجودها.
نحن أمام مأزق دستورى بسبب تأخر تنفيذ قرار الإلغاء كما يقول المستشار “حسنى عبد الحميد” المدعى العام الاشتراكى الأسبق مشيراً إلى أن الجهاز كان يجب إلغاؤه من بداية إطلاق برنامج الرئيس الانتخابى مروراً بإقرار نتيجة الاستفتاء على إلغائه وصولاً لقرار رئيس الوزراء الأخير بإنهاء عمل الجهاز الذى لايزال يباشر عمله حتى اليوم، فمن المستفيد من استمراره؟ ….سؤال يطرحه المدعى العام الاشتراكى الأسبق.
رحب “عبد الحميد” بقرار الإلغاء مؤكداً أن وجود الجهاز كان مرتبطاً بقانون استثنائى والذى يعد من أهم الأبواب التى تفتح للفساد القضائى، فالقانون العادى لا يسمح بانتشار الفساد الذى يسمح به القانون الاستثنائى.
“ضحك على الذقون” وصف أطلقه المستشار”هشام البسطويسى” على عملية الإلغاء بشكلها الحالى على الرغم من أن خطوة الإلغاء خطوة إيجابية مهمة ولكن لابد أن تكون حقيقية بإلغاء هذا الجهاز بكل اختصاصاته إنما الشكل الحالى فهو مجرد إلغاء للاسم فقط فالاختصاصات سيتم إحالتها إلى أجهزة رقابية أخرى مثل جهاز الكسب غير المشروع، وهذه الطريقة لا تليق بحكومة تحترم شعبها أو حتى تحترم نفسها فعليها أن تسمى الأمور بمسمياتها الحقيقية فإذا أراد النظام إلغاء نظام قمعى استثنائى عليه إلغاؤه بشكل كامل بكل اختصاصاته.
على الرغم من أن جهاز المدعى العام الاشتراكى نظام استثنائى يعمل وفق إجراءات استثنائية مخالفة للمواثيق الدولية إلا أنه قام بدور مهم لصالح الشعب وحقق العديد من المكاسب التى أقرها “البسطويسى” مؤكداً أنها كانت يجب أن تتم فى إطار احترام الشرعية الإجرائية وفقاً للقوانين العادية ودون الحاجة إلى إنشاء جهاز تحقيق استثنائى باختصاصات استثنائية تخالف المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر و أصبحت جزءاً من قانونها الداخلى، أما المدعى العام الاشتراكى فهو رجل قضائى محترم يحافظ على حقوق الناس ولكن بوسائل استثنائية مخالفة للدستور والقانون الطبيعى.
وفى مواجهة الفراغ التشريعى الذى قد ينشأ جراء إلغاء الجهاز أعدت وزارة العدل تعديلاً يستهدف تنظيم أمر الاختصاصات المقررة للمدعى العام الاشتراكى بمقتضى قانون نظام الأحزاب السياسية بإناطتها للنائب العام . وإلغاء سائر الاختصاصات الأخرى للمدعى الاشتراكى كمحكمتى القيم والقيم العليا مع استمرارهما فى نظر الدعاوى المقيدة بجدولها إلى حين الانتهاء من الفصل فيها على أن يمثل الادعاء أمامها أحد أعضاء إدارة الكسب غير المشروع والذى سيتولى الفصل فى كافة الشكاوى والتحقيقات المقيدة بجداول الجهاز المدعى، والتى لم يتم الانتهاء منها حتى تاريخ العمل بالقانون.
بناء على هذه القرارات هل يمكن الطعن دستورياً على أحكام جهاز الكسب غير المشروع بصفته الوريث الشرعى لقضايا الجهاز المعلقة؟؟ “هناك شبه عدم دستورية” إجابة قضائية للمستشار “هشام البسطويسى” الذى أكد على أن جهاز الكسب غير المشروع يباشر إجراءاته مساعد لوزير العدل يتم اختياره وفقاً لرؤية الوزير ويخضع لرقابة مباشرة له أى تحت طائلة السلطة التنفيذية وبذلك فهو لا يباشر اختصاصاته بشكل قضائى مستقل والسلطة القضائية لا يباشرها إلا شخص مستقل غير تابع للسلطة التنفيذية، ومن هنا فمباشرته لسلطات قضائية يثير شبة عدم دستورية.
آخر تقرير عن أداء الجهاز تتضمن العديد من الإنجازات و التى جاءت فى مجمل رسالة بأهمية دور الجهاز فى إعادة الحقوق لأصحابها سواء كانوا أفراداً أو بنوكاً أو شركات أعمال عامة أو خاصة فقد تلقى الجهاز 2768 شكوى خلال العام الماضى فقط تمكن من تسوية منازعات مالية وصلت إلى مليار وخمسة وعشرون مليون جنيه أعاد للأفراد 98.6 مليون جنيه وللبنوك 862.9 مليون جنيه ولشركات قطاع الأعمال 44.2 مليون جنيه والجهات الحكومية 19.5 مليون جنيه.
بالإضافة إلى إدارة الجهاز للأموال المفروض عليها الحراسة و التى بلغت العام الماضى 617.5 مليون جنيه وإدارة عقارية ضخمة منها 132 عقاراً بقيمة 45 مليون جنيه وأرض زراعية مساحتها 526 عقاراً قيمتها 21 مليون جنيه وأراضى فضاء بقيمة 21 مليون جنيه وأرضى بور بقيمة 23 مليون جنيه وهناك عقارات تتم إدارتها وشقق تمليك للخاضعين تحت الحراسة تقدر بـ 18 مليون جنيه.
رغم إنجازات الجهاز فإنه بطابعه الاشتراكى أصبح غير ملائم لطبيعة السوق الاقتصادية المصرية حالياً هذا ما أكده الدكتور “جودة عبد الخالق” أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، فلا يوجد أدنى تلاؤم بين وجوده وبين التوجهات الاقتصادية الحالية، فالبيئة الاقتصادية أصبحت كلها ذات توجه رأسمالى ومن غير المنطقى الإبقاء على جهاز اشتراكى فى هذه البيئة المتناقضة التى أصبحت مرتبطة بمتطلبات السوق الرأسمالية بعيداً عن طبيعة عمله.
كل من “الإنشاء والإلغاء” قرار سياسى لا علاقة له بالمتغيرات الاقتصادية فبعد تغير الخريطة السياسة المصرية أصبحت الاشتراكية “فى خبر كان” كما يقول “عبد الخالق ” وأصبح من الضرورى تنقية الدستور منها وبالفعل جاءت التعديلات الدستورية فى مايو 2007 وها نحن فى مايو 2008، لبدء تنفيذ قرار الإلغاء سنة كاملة لم تبدأ الحكومة فى دخول القرار حيز التنفيذ.
لا يوجد أى تأثير سلبى أو إيجابى على مناخ الاستثمار فى مصر بعد إلغاء الجهاز، فالاستثمار فى مصر الآن مكفول له كل سبل الحماية والتدعيم ولا يوجد أدنى تأثير على حجمه فهو فى حاجة إلى بيئة اقتصادية مستقرة وشفافية حقيقة وترتيب للآليات الاقتصادية لا مجرد إلغاء أجهزة رقابية ولذلك فإلغاء الجهاز له دلالة سياسية أكثر منها اقتصادية.
نقل إرث جهاز المدعى العام الاشتراكى إلى النيابة العامة وجهاز الكسب غير المشروع يعتبر نقلاً مؤقتاً هذا ما أكده الدكتور”عاطف البنا” أستاذ القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة القاهرة مطالباً بسرعة إصدار القانون الجديد والذى سيحدد الأطر والقواعد العامة لبحث توزيع اختصاصات الجهاز وهو أيضاً الذى سيحدد طريقة التصفية المثلى لحسابات الجهاز المالية، والتى من المستحب أن تكون مبنية على سند قانونى حتى لا نفتح الباب للطعن على القرارات بعد الدستورية.